النوم والذاكرة
تبين للعلماء بنتيجة تجاربهم على الإنسان والحيوان والطيور أن النوم ضروري جداً لتحسين عمل الذاكرة، فعندما تم حرمان بعض الحيوانات من النوم تدنت لديهم مستويات الذاكرة، وحدثت اضطرابات كثيرة في أدمغتهم، وخرج العلماء بنتيجة مفادها أن النوم ضرورة ولا يمكن الاستغناء عنها.
فقد بينت إحدى الدراسات (المنشورة على مجلة Nature Neuroscience, November 2006) أن النوم يساعد كثيراً على تنشيط الذاكرة، كما اكتشف علماء من جامعة أريزونا أن علاقة تربط بين النوم وبين الذاكرة الطويلة والقصيرة للإنسان، وأن النوم بشكل صحيح ينشط الدماغ بشكل جيد وبخاصة المنطقة الأمامية منه والتي هي منطقة الناصية.
النوم بالنهار
في دراسة حديثة (نشرتها مجلة Nature Neuroscience) تبين للعلماء أن النوم أثناء الليل لا يكفي للإنسان، بل لابد من النوم أثناء النهار لفترة قصيرة (ساعة ونصف مثلاً) وقد وجدوا أن الدماغ يتعب أثناء النهار من تراكم المعلومات فيصبح أقل كفاءة وبالتالي يحتاج لشيء من الراحة، وهذه الراحة بالنسبة للدماغ هي بمثابة إعادة ترتيب المعلومات وتنظيم اهتزازات الخلايا، وتثبيت المعلومات التي اكتسبها الإنسان في النهار.
ولذلك يؤكدون على ضرورة النوم أو الغفوة أثناء النهار وأن هذا العمل يقوي الذاكرة. فقد وجدوا أن الأشخاص الذين اعتادوا على النوم لفترة قصيرة أثناء النهار، فإن أداءهم العلمي أفضل، وتذكرهم للأشياء يكون أسرع.
نتائج الحرمان من النوم
- أثبتت الدراسات الحديثة أن قلَّة النوم تؤدي إلى إضعاف الجهاز المناعي لدى الإنسان والحيوان.
- قلَّة النوم تؤدي إلى إضعاف الذاكرة لدى الإنسان، وعدم التركيز، وسهولة الإصابة بالعديد من الأمراض.
- أدى الحرمان من النوم إلى حدوث نشاط سلبي في منطقة الناصية وهي مقدمة وأعلى الدماغ، وهذا النشاط يؤدي إلى تقليل قدرة الإنسان على اتخاذ القرارات السليمة.
- يؤثر نقص النوم على المهام الإدراكية والتأثير على الأداء العقلي ويزيد من الاضطرابات النفسية.
وجد علماء من جامعة شيكاغو أن قلة النوم تؤدي إلى أمراض عديدة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكر والسُّمنة وفقدان الذاكرة، وكذلك تسريع حدوث الشيخوخة.
النوم والإشعاعات الكهرطيسية
لقد أظهرت دراسة جديدة أن الترددات الكهرطيسية التي تبثها أجهزة الجوال مثلاً، تؤثر على الدماغ، وتؤثر على عملية النوم لدى الإنسان، وتؤخر وصوله إلى مرحلة النوم العميق. وبعد استخدام جهاز المسح بالرنين المغنطيسي الوظيفي تبين لهم أن هناك مناطق تثيرها هذه الموجات الكهرطيسية في الدماغ بشكل يؤذي الخلايا.
فقد خلصت دراسة بحثية نشرها موقع بي بي سي بتاريخ 21/1/2008 إلى أن استخدام الهاتف المحمول قبل النوم قد يؤدي إلى حرمان المستخدم من نوم هادئ خلال الليل. وأن الإشعاع المنبعث من جهاز الهاتف يمكن أن يسبب الأرق والصداع والتشويش. ويقلل من مدة النوم العميق وذلك بالتأثير على قدرة الجسم على تجديد نشاطه. وأظهرت الدراسة أن عناصر النوم التي يُعتقد أنها مهمة لتخليص الجسم من التعب اليومي تأثرت بشدة.
وقال البروفيسور "بينت أنيتز" إن استخدام الهاتف المحمول مرتبط بحدوث تغيرات محددة في مناطق من الدماغ مسؤولة عن تفعيل وتنسيق نظام الضغط. إن الإشعاع قد يعيق إنتاج هرمون "ميلاتونين" الذي يتحكم في إيقاعات الجسم الداخلية.
ويؤكد العلماء أن الأدلة تزداد قوة بشأن الحاجة إلى توخي الحذر عند التعامل مع الأشعة الكهرطيسية المنبعثة من الهواتف النقالة والتلفزيون وأجهزة الكمبيوتر وغير ذلك. ولذلك ينصح العلماء أن يبعد النائم عنه أي مصدر للإشعاعات، لينام بهدوء وعمق.
النوم والعمل بالليل
من الأخبار العلمية التي نشرتها وكالة "أسوشيتد برس" عن أهمية النوم ومخاطر العمل في الليل، أن دراسة حديثة توصلت إلى وجود علاقة بين احتمالات الإصابة بالسرطان ونوبات العمل الليلي, وطبقا لدراسة الهيئة الدولية لأبحاث السرطان, فإن منظمة الصحة العالمية أعلنت أن العمل الليلي يسبب السرطان ويتهدد عدة ملايين يمثلون نحو 20% من قوى العمل في مختلف أنحاء العالم.
ووصف "ريتشارد ستيفنز" الخبير الدولي بهذا المجال نتائج الدراسة بأنها تحول مفاجئ, مشيرا إلى أنه أجرى دراسة عام 1987 انتهت إلى الربط بين التعرض للضوء بشكل مستمر أثناء الليل والإصابة بسرطان الثدي.
كما توصلت دراسات أخرى إلى أن الرجال الذين يعملون ليلا معرضون للإصابة بأنواع أخرى من السرطان منها سرطان البروستات. وأكدوا أن العمل الليلي يخرب الساعة البيولوجية للإنسان, إضافة إلى نقص إفراز هرمون الميلاتونين الذي يتركز أثناء النوم ليلا. كما يتسبب نقص معدلات النوم أثناء الليل في التأثير سلبا على مناعة الإنسان وقدرته على مواجهة الأمراض.
الدماغ يتعلم أشياء جديدة أثناء النوم
لقد وجد العلماء حديثاً أن دماغ النائم ينشط أثناء النوم في معالجة المعلومات التي مرت عليه في النهار، ويتعلم مهارات جديدة ليكون جاهزاً لاستعمالها بعد النوم، وإن النوم هو ضروري جداً للتعلم.
ويعجب العلماء من الطريقة التي يعمل بها الدماغ أثناء النوم، بل من الذي يجعله يعمل بهذا الأداء الرائع؟ ومن الذي يشرف على التنسيق بين الخلايا، وكيف تتم الذاكرة وعمليات حفظ المعلومات، إنها بحق آية من آيات الخالق تبارك وتعالى تستحق منا الوقوف طويلاً أمامها.
صورة لخلية عصبية في الدماغ، ويقول العلماء إن خلايا الدماغ تنشط أثناء النوم، وتبقى في حالة سهر بينما الإنسان نائم، في داخل كل خلية من هذه الخلايا هناك جهاز كمبيوتر معقد وبرامج تقوم بمعالجة المعلومات والأحداث التي مر بها الإنسان خلال اليوم، وتقوم الخلايا بتنسيق العمل بصورة مبهرة تجعل العلماء في حيرة من أمرهم لا يجدون تفسيراً لظاهرة النوم، في آية ومعجزة.
حقائق قرآنية حول النوم
لقد حدثنا الله تعالى عن النوم كآية من آياته وأكد على أن النوم آية سواء في الليل أو في النهار، يقول تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [الروم: 23]. وقد كشفت بعض الأبحاث حديثاً عن ضرورة النوم في النهار أيضاً لفترة قصيرة وأثر ذلك على صحة الدماغ وتحسين الذاكرة والأداء كما رأينا.
وإنني لأعجب يا أحبتي بل وأتساءل: عندما نزلت هذه الآية، مَن خاطب الله بها؟ المؤمنين أم الملحدين؟ بلا شك إنها خطاب لقوم يسمعون، ولذلك فإن الله تعالى عندما حدثنا عن آية عظيمة ومعجزة كبرى هي النوم، إنما حدثنا عنها لنتفكر ونبحث في أسرار النوم!! ولكن للأسف أجد غير المسلمين هم من يتفكر ويبحث وينفق على هذه الأبحاث والمسلمون نائمون غافلون عن هذه الآيات!! ولذلك نجد الغرب قد تفوق علينا بشكل كبير، فهل ننتبه إلى أهمية البحث العلمي!
وقد تحدث الله في كتابه عن أهمية النوم، يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا) [الفرقان: 47]. فالنوم سُبات أي راحة للإنسان، وبالفعل لولا النوم لا يمكن للإنسان أن يقوم بأي عمل بشكل صحيح، سوف يختل أداؤه، ولذلك فإن النوم ضروري لاستمرار الحياة.
ولذلك يقول تعالى: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) [النبأ: 9-11]. وقد سخَّر الله تعالى لنا الليل لننام فيه، وهذه نعمة ينبغي علينا أن نشكر الله عليها، يقول تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 33-34].
كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون
لقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بقيام الليل، وتحدث عن صفات التقين أنهم كانوا قليلاً ما ينامون، وتجدهم دائماً يستغفرون الله: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات: 15-18]. وهنا قد يظن البعض أن في القرآن خللاً، فكيف يأمرنا الله بشيء فيه ضرر لنا؟!
وأقول: إن التجارب التي يقوم بها الغرب تكون غالباً على أناس غير مسلمين (بل دائماً)، وإنني أعتقد أنه لو أُجريت تجارب على أناس مسلمين يقومون الليل ويكثرون من الاستغفار وذكر الله تعالى، فإننا سنجد أن هذا النوع من أعمال الليل ينشط الدماغ ويزيده حيوية وقوة. وهذا ما لمسته على نفسي، فأنا أسهر الليل (بتدبر القرآن) حتى الفجر منذ عشرين عاماً، وقد وجدتُ أن هذا التدبر والسهر في ذكر الله تعالى يقوي جهاز المناعة، ويبعد الأمراض، بل يكسب الإنسان قدرات إبداعية، وما هذه الأبحاث التي أكتبها إلا من ثمرات عمل الليل!
ويبقى السؤال الذي يحير العلماء: لماذا ننام؟ ومَن الذي يجعلنا ننام؟ وكيف تطورت ظاهرة النوم عند الكائنات الحية على مر العصور؟ إنها أسئلة تستدعي من العلماء أن يتعجبوا من هذه الظاهرة ويؤكد بعضهم أن هذه الظاهرة تكفي لنقض فكرة أن الطبيعة هي التي تعطي للمخلوقات وظائفها والتي ينادي بها الملحدون. ولا نجد أفضل من كلمات الحق تبارك وتعالى القائل على لسان كليمه موسى عليه السلام: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه: 50].