نقدم في هذا البحث العلمي رؤية جديدة للقلب البشري، فعلى مدى سنوات طويلة درس العلماء القلب من الناحية الفيزيولوجية واعتبروه مجرد مضخة للدم لا أكثر ولا أقل. ولكن ومع بداية القرن الحادي والعشرين ومع تطور عمليات زراعة القلب والقلب الاصطناعي وتزايد هذه العمليات بشكل كبير، بدأ بعض الباحثين يلاحظون ظاهرة غريبة ومحيرة لم يجدوا لها تفسيراً حتى الآن!
إنها ظاهرة تغير الحالة النفسية للمريض بعد عملية زرع القلب، وهذه التغيرات النفسية عميقة لدرجة أن المريض بعد أن يتم استبدال قلبه بقلب طبيعي أو قلب صناعي، تحدث لديه تغيرات نفسية عميقة، بل إن التغيرات تحدث أحياناً في معتقداته، وما يحبه ويكرهه، بل وتؤثر على إيمانه أيضاً!!
ومن هنا بدأتُ بجمع معظم التجارب والأبحاث والمشاهدات والحقائق حول هذا الموضوع، ووجدتُ بأن كل ما يكشفه العلماء حول القلب قد تحدث عنه القرآن الكريم بشكل مفصّل! وهذا يثبت السبق القرآني في علم القلب، ويشهد على عظمة ودقة القرآن الكريم، وأنه كتاب رب العالمين.
هناك بعض الباحثين يعتقدون أن القلب مجرد مضخة وأنه لا يوجد أي أثر لتغيير قلب المريض، بل قد تحدث تغيرات نفسية طفيفة بسبب تأثير العملية. كما يعتقد البعض أن القلب المذكور في القرآن هو القلب المعنوي غير المرئي مثله مثل النفس والروح. فما هي حقيقة الأمر؟
والحقيقة أننا لو تتبعنا أقوال أطباء الغرب الذين برعوا في هذا المجال، أي مجال علم القلب، نرى بأن عدداً منهم يعترف بأنهم لم يدرسوا القلب من الناحية النفسية، ولم يعطَ هذا الجزء الهام حقه من الدراسة بعد.
يُخلق القلب قبل الدماغ في الجنين، ويبدأ بالنبض منذ تشكله وحتى موت الإنسان. ومع أن العلماء يعتقدون أن الدماغ هو الذي ينظم نبضات القلب، إلا أنهم لاحظوا شيئاً غريباً وذلك أثناء عمليات زرع القلب، عندما يضعون القلب الجديد في صدر المريض يبدأ بالنبض على الفور دون أن ينتظر الدماغ حتى يعطيه الأمر بالنبض.
وهذا يشير إلى استقلال عمل القلب عن الدماغ، بل إن بعض الباحثين اليوم يعتقد أن القلب هو الذي يوجّه الدماغ في عمله، بل إن كل خلية من خلايا القلب لها ذاكرة! ويقول الدكتور Schwartz إن تاريخنا مكتوب في كل خلية من خلايا جسدنا.
حقائق القلب
القلب هو المحرك الذي يغذي أكثر من 300 مليون مليون خلية في جسم الإنسان، ويبلغ وزنه (250-300) غرام، وهو بحجم قبضة اليد. وفي القلب المريض جداً يمكن أن يصل وزنه إلى 1000 غرام بسبب التضخم.
يقوم قلبك منذ أن كنتَ جنيناً في بطن أمك (بعد 21 يوماً من الحمل) بالعمل على ضخ الدم في مختلف أنحاء جسدك، وعندما تصبح بالغاً يضخ قلبك في اليوم أكثر من سبعين ألف لتر من الدم وذلك كل يوم، هذه الكمية يضخها أثناء انقباضه وانبساطه، فهو ينقبض أو يدق كل يوم أكثر من مئة ألف مرة، وعندما يصبح عمرك 70 سنة يكون قلبك قد ضخ مليون برميل من الدم خلال هذه الفترة!
يزود القلب عبر الدم جميع خلايا الجسم بالأكسجين، فالخلايا تأخذ الأكسجين لتحرقه في صنع غذائها، وتطرح غاز الكربون والنفايات السامة التي يأخذها الدم ويضخها عبر القلب لتقوم الرئتين بتنقية هذا الدم وطرح غاز الكربون. طبعاً تأخذ الرئتين الأكسجين الذي نتنفسه وتطرح غاز الكربون من خلال عملية التنفس (الشهيق والزفير)، إن شبكة نقل الدم عبر جسمك أي الشرايين والأوعية لو وصلت مع بعضها لبلغ طولها مئة ألف كيلو متر!!
علاقة الدماغ بالقلب
هل الدماغ يتحكم بعمل القلب كما يقول العلماء، أم أن العكس هو الصحيح؟ ينبغي عليك أخي القارئ أن تعلم أن علم الطب لا يزال متخلفاً!! وهذا باعتراف علماء الغرب أنفسهم، فهم يجهلون تماماً العمليات الدقيقة التي تحدث في الدماغ، يجهلون كيف يتذكر الإنسان الأشياء، ويجهلون لماذا ينام الإنسان، ولماذا ينبض القلب، وما الذي يجعل هذا القلب ينبض، وأشياء كثيرة يجهلونها، فهم ينشرون في أبحاثهم ما يشاهدونه فقط، ليس لديهم أي قاعدة مطلقة، بل كل شيء لديهم بالتجربة والمشاهدة والحواس.
ولكننا كمسلمين لدينا حقائق مطلقة هي الحقائق التي حدثنا عنها القرآن الكريم قبل 14 قرناً عندما أكد في كثير من آياته على أن القلب هو مركز العاطفة والتفكير والعقل والذاكرة. ومنذ ثلاثين عاماً فقط بدأ بعض الباحثين بملاحظة علاقة بين القلب والدماغ، ولاحظوا أيضاً أن للقلب دور في فهم العالم من حولنا، وبدأت القصة عندما لاحظوا علاقة قوية بين ما يفهمه ويشعر به الإنسان، وبين معدل ضربات القلب وضغط الدم والتنفس في الرئتين. ومن هنا بدأ بعض الباحثين يدرسون العلاقة بين القلب والدماغ. ووجدوا بأن القلب يؤثر على النشاط الكهربائي للدماغ.
العلماء لم يثبتوا أن القلب ليس له علاقة بالعواطف بل لا يستطيع أحد أن يثبت ذلك، لأنهم لم يستطيعوا كشف جميع أسرار القلب، ولذلك عندما نقول إن القلب هو الذي يوجّه الدماغ في عمله، فهذا الكلام منطقي ولا يوجد ما ينافيه علمياً، والأهم من ذلك أنه يتفق مع القرآن.
الشيء الثابت علمياً أن القلب يتصل مع الدماغ من خلال شبكة معقدة من الأعصاب، وهناك رسائل مشتركة بين القلب والدماغ على شكل إشارات كهربائية، ويؤكد بعض العلماء أن القلب والدماغ يعملان بتناسق وتناغم عجيب ولو حدث أي خلل في هذا التناغم ظهرت الاضطرابات على الفور.
ويقول الدكتور Armour إن للقلب نظاماً خاصاً به في معالجة المعلومات القادمة إليه من مختلف أنحاء الجسم، ولذلك فإن نجاح زرع القلب يعتمد على النظام العصبي للقلب المزروع وقدرته على التأقلم مع المريض.
مشاهد مثيرة!
تقول المعالجة النفسية Linda Marks بعد عملها لمدة عشرين عاماً في مركز القلب: كان الناس يواجهونني بسؤال: ماذا تعملين في هذا المركز وأنت تعلمين أن القلب مجرد مضخة للدم ليس له علاقة بالحالة النفسية للإنسان؟ وكنتُ أجيب بأنني أحس بالتغيير الذي يحصل في نفسية المريض قبل وبعد عملة زرع القلب، وأحس بتغير عاطفته، ولكن ليس لدي الدليل العلمي إلا ما أراه أمامي. ولكن منذ التسعينات تعرفت على إحدى المهتمات بهذا الموضوع وهي "ليندا راسك" التي تمكنت من تسجيل علاقة بين الترددات الكهرطيسية التي يبثها القلب والترددات الكهرطيسية التي يبثها الدماغ، وكيف يمكن للمجال الكهرطيسي للقلب أن يؤثر في المجال المغنطيسي لدماغ الشخص المقابل!
البرفسور Gary Schwartz اختصاصي الطب النفسي في جامعة أريزونا، والدكتورة Linda Russek يعتقدان أن للقلب طاقة خاصة بواسطتها يتم تخزين المعلومات ومعالجتها أيضاً. وبالتالي فإن الذاكرة ليست فقط في الدماغ بل قد يكون القلب محركاً لها ومشرفاً عليها. قام الدكتور غاري ببحث ضم أكثر من 300 حالة زراعة قلب، ووجد بأن جميعها قد حدث لها تغيرات نفسية جذرية بعد العملية.
يقول الدكتور Schwartz قمنا بزرع قلب لطفل من طفل آخر أمه طبيبة وقد توفي وقررت أمه التبرع بقلبه، ثم قامت بمراقبة حالة الزرع جيداً، وتقول هذه الأم: "إنني أحس دائماً بأن ولدي ما زال على قيد الحياة، فعندما أقترب من هذا الطفل (الذي يحمل قلب ولدها) أحس بدقات قلبه وعندما عانقني أحسست بأنه طفلي تماماً، إن قلب هذا الطفل يحوي معظم طفلي"!
والذي أكد هذا الإحساس أن هذا الطفل بدأ يظهر عليه خلل في الجهة اليسرى، وبعد ذلك تبين أن الطفل المتوفى صاحب القلب الأصلي كان يعاني من خلل في الجانب الأيسر من الدماغ يعيق حركته، وبعد أن تم زرع هذا القلب تبين بعد فترة أن الدماغ بدأ يصيبه خلل في الجانب الأيسر تماماً كحالة الطفل الميت صاحب القلب الأصلي.
ما هو تفسير ذلك؟ ببساطة نقول إن القلب هو الذي يشرف على عمل الدماغ، والخلل الذي أصاب دماغ الطفل المتوفى كان سببه القلب، وبعد زرع هذا القلب لطفل آخر، بدأ القلب يمارس نشاطه على الدماغ وطوَّر هذا الخلل في دماغ ذلك الطفل.
تقول الدكتورة ليندا: من الحالات المثيرة أيضاً أنه تم زرع قلب لفتاة كانت تعاني من اعتلال في عضلة القلب، ولكنها أصبحت كل يوم تحس وكأن شيئاً يصطدم بصدرها فتشكو لطبيبها هذه الحالة فيقول لها هذا بسبب تأثير الأدوية، ولكن تبين فيما بعد أن صاحبة القلب الأصلي صدمتها سيارة في صدرها وأن آخر كلمات نطقت بها أنها تحس بألم الصدمة في صدرها.
مئات ومئات الحالات التي حدثت لها تغيرات عميقة، فقد غرقت طفلة عمرها ثلاث سنوات في المسبح المنزلي، وتبرع أهلها بقلبها ليتم زراعته لطفل عمره تسع سنوات، الغريب أن هذا الطفل أصبح خائفاً جداً من الماء، بل ويقول لوالديه لا ترموني في الماء!!
القلب مسؤول عن العواطف
هناك أمر مثير للاهتمام ألا وهو أن أولئك المرضى الذين استبدلت قلوبهم بقلوب اصطناعية، فقدوا الإحساس والعواطف والقدرة على الحب! ففي 11/8/2007 نشرت جريدة Washington Post تحقيقاً صحفياً حول رجل اسمه Peter Houghton وقد أُجريت له عملية زرع قلب اصطناعي، يقول هذا المريض: "إن مشاعري تغيرت بالكامل، فلم أعد أعرف كيف أشعر أو أحب، حتى أحفادي لا أحس بهم ولا أعرف كيف أتعامل معهم، بوعندما يقتربون مني لا أحس أنهم جزء من حياتي كما كنت من قبل".
أصبح هذا الرجل غير مبال بأي شيء، لا يهتم بالمال، لا يهتم بالحياة، لا يعرف لماذا يعيش، بل إنه يفكر أحياناً بالانتحار والتخلص من هذا القلب المشؤوم! لم يعد هذا الإنسان قادراً على فهم العالم من حوله، لقد فقَد القدرة على الفهم أو التمييز أو المقارنة، كذلك فقد القدرة على التنبؤ، أو التفكير في المستقبل أو ما نسميه الحدس. حتى إنه فقد الإيمان بالله، ولم يعد يبالي بالآخرة كما كان من قبل!!
حتى هذه اللحظة لم يستطع الأطباء تفسير هذه الظاهرة، لماذا حدث هذا التحول النفسي الكبير، وما علاقة القلب بنفس الإنسان ومشاعره وتفكيره؟ يقول البرفسور Arthur Caplan رئيس قسم الأخلاق الطبية في جامعة بنسلفانيا: "إن العلماء لم يعطوا اهتماماً بهذه الظاهرة، بل إننا لم ندرس علاقة العاطفة والنفس بأعضاء الجسم، بل نتعامل مع الجسم وكأنه مجرد آلة".
القلب الاصطناعي هو عبارة عن جهاز يتم غرسه في صدر المريض يعمل على بطارية يحملها المريض على بشكل دائم ويستبدلها كلما نفدت، هذا الجهاز أشبه بمضخة تضخ الدم وتعمل باستمرار، وإذا وضعت رأسك على صدر هذا المريض فلا تسمع أي دقات بل تسمع صوت محرك كهربائي!
إن أول قلب صناعي تم زرعه في عام 1982 وعاش المريض به 111 يوم، ثم تطور هذا العلم حتى تمكن العلماء في عام 2001 من صنع قلب صناعي يدعى AbioCor وهو قلب متطور وخفيف يبلغ وزنه أقل من كيلو غرام (900 غرام) ويتم زرعه مكان القلب المصاب. أما أول قلب صناعي كامل فقد زرع عام 2001 لمريض أشرف على الموت، ولكنه عاش بالقلب الصناعي أربعة أشهر، ثم تدهورت صحته وفقد القدرة على الكلام والفهم، ثم مات بعد ذلك.
عملية زرع القلب الصناعي لمريض، ويقول العلماء إن النتائج التي وصلوا إليها، والخلل الكبير في الإدراك والفهم الذي يعاني منه صاحب القلب الصناعي يؤكد بأن القلب له دور أساسي في الفهم والإدراك، وأن القلب هو أكثر من مضخة، إن قلب الإنسان أكثر تعيداً مما نتصور!
لقد فشل القلب الصناعي كما أكدت إدارة الدواء والغذاء الأمريكية لأن المرضى الذين تمت إجراء عمليات زرع هذا القلب لهم ماتوا بعد عدة أشهر بسبب ذبحة صدرية مفاجئة،
دماغ في القلب
إن التفسير المقبول لهذه الظاهرة أنه يوجد في داخل خلايا قلب الإنسان برامج خاصة للذاكرة يتم فيها تخزين جميع الأحداث التي يمر فيها الإنسان، وتقوم هذه البرامج بإرسال هذه الذاكرة للدماغ ليقوم بمعالجتها.
نلاحظ أن معدل نبضات القلب يتغير تبعاً للحالة النفسية والعاطفية للإنسان، ويؤكد الدكتور J. Andrew Armour أن هناك دماغاً شديد التعقيد موجود داخل القلب، داخل كل خلية من خلايا القلب، ففي القلب أكثر من أربعين ألف خلية عصبية تعمل بدقة فائقة على تنظيم معدل ضربات القلب وإفراز الهرمونات وتخزين المعلومات ثم يتم إرسال المعلومات إلى الدماغ، هذه المعلومات تلعب دوراً مهماً في الفهم والإدراك.
إذن المعلومات تتدفق من القلب إلى ساق الدماغ ثم تدخل إلى الدماغ عبر ممرات خاصة، وتقوم بتوجيه خلايا الدماغ لتتمكن من الفهم والاستيعاب. ولذلك فإن بعض العلماء اليوم يقومون بإنشاء مراكز تهتم بدراسة العلاقة بين القلب والدماغ وعلاقة القلب بالعمليات النفسية والإدراكية، بعدما أدركوا الدور الكبير للقلب في التفكير والإبداع.
ذبذبات من القلب
يقول الدكتور بول برسال Paul Pearsall إن القلب يحس ويشعر ويتذكر ويرسل ذبذبات تمكنه من التفاهم مع القلوب الأخرى، ويساعد على تنظيم مناعة الجسم، ويحتوي على معلومات يرسلها إلى كل أنحاء الجسم مع كل نبضة من نبضاته. ويتساءل بعض الباحثين: هل من الممكن أن تسكن الذاكرة عميقاً في قلوبنا؟
إن القلب بإيقاعه المنتظم يتحكم بإيقاع الجسد كاملاً فهو وسيلة الربط بين كل خلية من خلايا الجسم من خلال عمله كمضخة للدم، حيث تعبر كل خلية دم هذا القلب وتحمل المعلومات منه وتذهب بها إلى بقية خلايا الجسم، إذن القلب لا يغذي الجسد بالدم النقي إنما يغذيه أيضاً بالمعلومات!
ومن الأبحاث الغريبة التي أجريت في معهد "رياضيات القلب" HeartMath أنهم وجدوا أن المجال الكهربائي للقلب قوي جداً ويؤثر على من حولنا من الناس، أي أن الإنسان يمكن أن يتصل مع غيره من خلال قلبه فقط دون أن يتكلم!!!
أبحاث معهد رياضيات القلب
أجرى معهد رياضيات القلب العديد من التجارب أثبت من خلالها أن القلب يبث ترددات كهرطيسية تؤثر على الدماغ وتوجهه في عمله، وأنه من الممكن أن يؤثر القلب على عملية الإدراك والفهم لدى الإنسان. كما وجدوا أن القلب يبث مجالاً كهربائياً هو الأقوى بين أعضاء الجسم، لذلك فهو من المحتمل أن يسيطر على عمل الجسم بالكامل. المنحني الأسفل يمثل ضربات القلب، والمنحنيات الثلاثة فوقه تمثل رد فعل الدماغ وكيف تتأثر تردداته بحالة القلب.
تجارب جديدة تظهر تأثير القلب على الدماغ وأن تأثير هذا القلب أكبر مما تصوره العلماء من قبل.
كما وجدوا أن دقات القلب تؤثر على الموجات التي يبثها الدماغ (موجات ألفا)، فكلما زاد عدد دقات القلب زادت الترددات التي يبثها الدماغ. ولكن ماذا عن كتاب الله تعالى، وهل توجد معجزة تثبت صدق هذا الكتاب الرائع؟!
إنها آية عظيمة...
كلما وقفتُ أمامها تملكتني الدهشة وأصابتني الحيرة... إنها آية تخشع القلوب لسماعها، وتقشعر الجلود لدى تلاوتها... هي الآية التي توعد الله فيها أولئك الملحدين والمشككين والمستهزئين، عندما قال: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف: 179]. إنها بالفعل آية يقف المؤمن أمامها خاشعاً متأملاً، فكيف يمكن أن يكون للإنسان عين لا يبصر بها، وكيف يمكن أن يكون له أذن لا يسمع بها، والأعجب من ذلك ما هي علاقة القلب بالفهم والتفقه؟
لنحاول معاً قراءة هذه الآية قراءة جديدة، فالعين هي وسيلة الإبصار، ولكن الإنسان لا يرى بعينيه، بل هي مجرد وسيلة تنتقل المعلومات خلالها إلى الدماغ، ومثلها الأذن. ثم يقوم الدماغ بمعالجة وتخزين المعلومات وترجمتها والتفاعل معها. فهذه أمور نعرفها فلا مشكلة في فهمها.
وهؤلاء الملحدين يمتلكون حاسة البصر وهي العين، ولكنهم لا يبصرون الحق، بل ينظرون إلى الكون على أنه جاء بالمصادفة، وكل ما في الكون من إعجاز وروعة ومخلوقات وعمليات حيوية معقدة ومنظمة، وكل هذه المجرات والنجوم، وكل هذه الظواهر الكونية... كلها مجرد مصادفات بالنسبة لهم، فهم بالفعل لا يبصرون الحقيقة.
كذلك فإن هؤلاء المشككين لهم آذان ويمتلكون حاسة السمع، ولكنهم عندما يقرأون القرآن يقولون إنه كلام عادي بل أقل من عادي، وتارة يقولون إنه مليء بالأخطاء، وتارة يقولون إن محمداًَ هو من كتب القرآن.... فهم يستمعون إلى القرآن ولكنهم حقيقة لا يسمعون صوت الحق!
القلوب هي محور هذا البحث، فالملحد يمتلك قلباً سليماً كما تظهره الأجهزة الطبية، ولكنه حقيقة لا يفقه شيئاً من كلام خالقه ورازقه، ولذلك فإن نهايته ستكون في جهنم، مع سادته من الشياطين الذين اتخذهم أولياء من دون الله.
وانظروا معي إلى قوله تعالى كيف رتب العمليات الثلاثة:
1- (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا): إذاً القلب وسيلة التفقه والفهم.
2- (وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا): إذاً العين وسيلة الإبصار.
3- (وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا): إذاً الأذن وسيلة السمع.
والسؤال الذي طرحناه في مقال سابق: كيف يمكن للقلب أن يفكر ويعقل ويفهم ويتفقه، وهو مجرد مضخة كما يذكر لنا الأطباء؟ وقد جئنا بالعديد من الأدلة التي تظهر حديثاً على دور القلب في التفكر والإدراك، وبما أن علم الإعجاز هو علم مستمر لقوله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) [فصلت: 53]، فلابد أن تظهر في كل يوم حقائق جديدة تؤكد وتؤيد وتثبت صدق ما جاء في هذا الكتاب العظيم.
قصة جديدة تثبت أن القلب هو مركز الإلحاد أو الإيمان!!
قبل أيام من تاريخ كتابة هذه المقالة (10/4/2008) نشرت جريدة ديلي ميل قصة مذهلة تؤكد بشكل كبير أن القلب له دور حاسم في الإيمان والكفر والمشاعر والإدراك أيضاً. فقد تزوجت امرأة من شاب وبعد سنوات من زواجه وبسبب إلحاده أراد أن يتخلص من حياته فانتحر بمسدس في رأسه فمات.
ولكن قلبه بقي يعمل فقام الأطباء باستئصاله وهو بحالة جيدة وتمت زراعته لمريض مؤمن يحب فعل الخير جداً، هذا المريض لديه فشل في القلب وبحاجة لقلب جديد وتم له ذلك، وفرح وشكر أهل الشاب المنتحر صاحب القلب الأصلي وبدأ حياة جديدة.
وجاءت المصادفة ليلتقي بزوجة الشاب المنتحر (أرملته) فأحس على الفور أنه يعرفها منذ زمن، بل لم يخف مشاعره تجاهها، وأخبرها بحبه لها، وأنه لا يستطيع العيش بدونها!! وهنا بدأ القلب يمارس نشاطه، فالشيء الذي أحس به هذا الرجل تجاه زوجة صاحب القلب الأصلي، يؤكد أن القلب لا يزال يحتفظ بمشاعره وأحاسيسه وذكرياته مع هذه المرأة! ولكن هذا الأمر لم يلفت انتباه أحد حتى الآن.
إن الزوج الجديد لم يعد مؤمناً كما كان من قبل، بدأت ملامح الإلحاد تظهر ولكنه يحاول إخفاءها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وبدأ هذا القلب يعذبه، فلم يعد يحتمل الحياة فانتحر بالطريقة ذاتها التي انتحر بها الشاب صاحب القلب الأصلي، وذلك أنه أطلق رصاصة على رأسه فمات على الفور!!!
وهذا ما أذهل الناس من حوله، فكيف يمكن لإنسان مؤمن يحب فعل الخير، كان سعيداً ومسروراً بأنه يساعد الناس والجميع يحبه، كيف انقلب إلى اليأس والإلحاد ولم يجد أمامه سوى الانتحار، التفسير بسيط جداً، وهو أن مركز التفكير والإدراك في القلب وليس في الدماغ. ولو كان القلب مجرد مضخة، لم يحدث مع هذا الرجل ما حدث، فقد أحب المرأة ذاتها، وانتحر بالطريقة ذاتها!
دماغ في القلب
يتحدث بعض الباحثين اليوم عن دماغ في القلب، يؤكدون أن القلب له نظامه العصبي الخاص به، وهو نظام معقد يسمونه the brain in the heart فالقلب يبث مع كل دفقة دم عدداً من الرسائل والمعلومات لجميع أنحاء الجسد، وله نظام كهربائي معقد وله طاقة خاصة به، وله مجال كهرطيسي أقوى بمئة مرة من الدماغ!!
تظهر هذه الصورة الخلايا العصبية داخل القلب، وهي خلايا معقدة جداً لم يعرف العلماء حتى الآن طريقة عملها، ولكن هذه الخلايا مسؤولة عن تخزين المعلومات وتحميلها لخلايا الدم وبثها لكافة أنحاء الجسم، وبالتالي فهي أشبه بذاكرة الكمبيوتر التي لا يعمل بدونها. المرجع: معهد رياضيات القلب الأمريكي.
هل هذه النتائج يقينية؟
إن الأطباء حتى هذه اللحظة غير متفقين على أن القلب مركز العقل، ولكنهم شيئاً فشيئاً يقتنعون وينتظرون نتائج الدراسات والأبحاث. ودائماً عندما يتوصل العلماء إلى حقيقة يقينية نراها في كتاب الله ناصعة جلية تشهد على صدق هذا الكتاب العظيم... هذا هو الإعجاز الذي نتحدى به المشككين، نتحداهم أن يأتوا بكتاب صحيح مئة بالمئة مثل القرآن. ونتحداهم أن يستخرجوا خطأ واحداً من القرآن، بل إن كل انتقاداتهم واهية ضعيفة، وهي محاولات يائسة أكثر منها انتقادات علمية.
القلب والإدراك
في بحث أجراه الباحثان Rollin McCraty و Mike Atkinson وتم عرضه في اللقاء السنوي للمجتمع البافلوفي عام 1999، وقد جاء بنتيجة هذا البحث أن هنالك علاقة بين القلب وعملية الإدراك، وقد أثبت الباحثان هذه العلاقة من خلال قياس النشاط الكهرطيسي للقلب والدماغ أثناء عملية الفهم أي عندما يحاول الإنسان فهم ظاهرة ما، فوجدوا أن عملية الإدراك تتناسب مع أداء القلب، وكلما كان أداء القلب أقل كان الإدراك أقل.
إن النتائج التي قدمها معهد رياضيات القلب مبهرة وتؤكد على أنك عندما تقترب من إنسان آخر أو تلمسه أو تتحدث معه، فإن التغيرات الحاصلة في نظام دقات القلب لديك، تنعكس على نشاطه الدماغي!! أي أن قلبك يؤثر على دماغ من هو أمامك.
في هذه الصورة رجل (وزميله) يعيش بقلب صناعي، إنه يرتبط بشكل دائم بأشرطة من أجل التغذية بالبطارية، إن الذي تجري له عملية تركيب قلب اصطناعي يفقد الإحساس بكثير من الأشياء من حوله وتصبح ردود أفعاله شبه منعدمة، وتحدث تغييرات كبيرة جداً في شخصيته. وهذا يثبت عمل القلب في التفكير وفي ردود الأفعال وفي توجيه الدماغ أيضاً.
السبق القرآني في علم القلب
إن المشاهدات والتجارب التي رأيناها في هذا البحث تثبت لنا عدة نتائج في علم القلب يمكن أن نلخصها في نقاط محددة، وكيف أن القرآن حدثنا عنها بدقة تامة:
1- يتحدث العلماء اليوم جدّياًّ عن دماغ موجود في القلب يتألف من 40000 خلية عصبية، أي أن ما نسميه "العقل" موجود في مركز القلب، وهو الذي يقوم بتوجيه الدماغ لأداء مهامه، ولذلك فإن الله تعالى جعل القلب وسيلة نعقل به، يقول تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج: 46]. وهذه الآية حدّدت لنا مكان القلب لكي لا يظن أحد أن القلب موجود في الرأس وهو الدماغ، أو أن هناك قلباً غير القلب الذي ينبض في صدرنا، وهذه أقوال لا تعتمد على برهان علمي.
2- يتحدث العلماء اليوم عن الدور الكبير الذي يلعبه القلب في عملية الفهم والإدراك وفقه الأشياء من حولنا، وهذا ما حدثنا عنه القرآن بقوله تعالى: (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا) [الأعراف: 179]. أي أن القرآن حدد لنا مركز الإدراك لدى الإنسان وهو القلب، وهو ما يكتشفه العلماء اليوم.
3- معظم الذين يزرعون قلباً صناعياً يشعرون بأن قلبهم الجديد قد تحجَّر ويحسون بقسوة غريبة في صدورهم، وفقدوا الإيمان والمشاعر والحب، وهذا ما أشار إليه القرآن في خطاب اليهود: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) [البقرة: 74]. فقد حدّد لنا القرآن صفة من صفات القلب وهي القسوة واللين، ولذلك قال عن الكافرين: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الزمر: 22]. ثم قال في المقابل عن المؤمنين: (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) بالزمر: 23].
4- يؤكد العلماء أن كل خلية من خلايا القلب تشكل مستودعاً للمعلومات والأحدث، ولذلك بدأوا يتحدثون عن ذاكرة القلب، ولذلك فإن الله تعالى أكد لنا أن كل شيء موجود في القلب، وأن الله يختبر ما في قلوبنا، يقول تعالى: (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [آل عمران: 154].
5- يؤكد بعض الباحثين على أهمية القلب في عملية السمع، بل إن الخلل الكبير في نظام عمل القلب يؤدي إلى فقدان السمع، وهذا ما رأيته بنفسي عندما كان في أحد المشافي رجل لم يكن يصلي وكان يفطر في رمضان ولم يكن يسمع نداء الحق، وقد أصابه احتشاء بسيط في عضلة القلب ثم تطور هذا الخلل حتى فقد سمعه تماماً ثم مات مباشرة بعد ذلك، وكانت آخر كلمة نطقها "إنني لا أسمع شيئاً"، ولذلك ربط القرآن بين القلب وبين السمع فقال: (وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) [الأعراف: 100].
6- يتحدث الباحثون عن دور القلب في التعلم، وهذا يعتبر من أحدث الأبحاث التي نشرت مؤخراً، ولذلك فإن للقلب دوراً مهماً في العلم والتعلم لأن القلب يؤثر على خلايا الدماغ ويوجهها، ولذلك فإن القرآن قد ربط بين القلب والعلم، قال تعالى: (وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [التوبة: 93].
7- تؤكد التجارب الجديدة أن مركز الكذب هو في منطقة الناصية في أعلى ومقدمة الدماغ، وأن هذه المنطقة تنشط بشكل كبير أثناء الكذب، أما المعلومات التي يختزنها القلب فهي معلومات حقيقية صادقة، وهكذا فإن الإنسان عندما يكذب بلسانه، فإنه يقول عكس ما يختزنه قلبه من معلومات، ولذلك قال تعالى: (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) [الفتح: 11]. فاللسان هنا يتحرك بأمر من الناصية في الدماغ، ولذلك وصف الله هذه الناصية بأنها: (نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ) [العلق: 16].
8- رأينا ذلك الرجل صاحب القلب الصناعي كيف فقد إيمانه بالله بعد عملية الزرع مباشرة، وهذا يعطينا مؤشراً على أن الإيمان يكون بالقلب وليس بالدماغ، وهكذا يؤكد بعض الباحثين على أهمية القلب في الإيمان والعقيدة، ولذلك قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) [المائدة: 41].
9- بينت أبحاث القلب الصناعي أن للقلب دوراً أساسياً في الخوف والرعب، وعندما سألوا صاحب القلب الصناعي عن مشاعره قال بأنه فقد القدرة على الخوف، لم يعد يخاف أو يتأثر أو يهتم بشيء من أمور المستقبل. وهذا ما سبق به القرآن عندما أكد على أن القلوب تخاف وتوجل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال: 2]. وكذلك جعل الله مكان الخوف والرعب هو القلب، فقال: (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) [الحشر: 2].
الإعجاز في السنة النبوية
لقد سبق النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام علماء الغرب إلى الحديث عن دور القلب وأهميته في صلاح النفس، بل إنه جعل للقلب دوراً مركزياً فإذا صلح هذا القلب فإن جميع أجهزة الجسد ستصلح، وإذا فسد فسوف تفسد جميع أنظمة الجسم، وهذا ما نراه اليوم وبخاصة في عمليات القلب الصناعي، حيث نرى بأن جميع أنظمة الجسم تضطرب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) [متفق عليه].
أفضل علاج للقلب
يؤكد جميع العلماء على أن السبب الأول للوفاة هو اضطراب نظم عمل القلب، وأن أفضل طريقة للعلاج هو العمل على استقرار هذه القلوب، وقد ثبُت أن بعض الترددات الصوتية تؤثر في عمل القلب وتساعد على استقراره، وهل هناك أفضل من صوت القرآن؟ ولذلك قال تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]. وقد وجدتُ بالتجربة أن تلاوة هذه الآية سبع مرات صباحاً ومساءً تؤدي إلى استقرار كبير في عمل القلب، والله أعلم.
تأثير الاستماع لصوت القرآن على القلب
الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذ بها، والقرآن فيه شفاء للمؤمن وخسارة للكافر، يقول تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) [الإسراء: 82]. وربما يعترض بعض الملحدين إذا قلنا له إن صوت القرآن يؤثر على القلب ويجعله مستقراً وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].
ولكن الاكتشاف الجديد أن أطباء من فنلندا عرضوا 60 مريضاً يعانون من نوبة قلبية إلى صوت الموسيقى ووجد أن للموسيقى أثر في شفاء القلب وزيادة مقاومته للمرض. ويقول الباحث Teppo Sarkamo من جامعة هلسنكي: الموسيقى يمكن أن تكون مهمة جداً لمرضى القلب والذين يعانون من نوبات قلبية وهي مادة رخيصة لا تكلف شيئاً.
لقد وجدوا أن النوبات القلبية التي يتعرض لها المريض تؤثر سلبياً على إدراكه وذاكرته، ولكن بعد أن تم وضع كل مريض في الجو الموسيقي الذي يرغب به أو الذي يرتاح لسماعه حدث تحسن ملموس في مستوى الذاكرة، واستقرار في أداء القلب.
ويؤكد الباحثون إن هذا البحث وللمرة الأولى يظهر تأثير الاستماع إلى الأصوات المرغوبة من قبل المريض وأثر هذه الترددات الصوتية على قلبه وبخاصة بعد تعرضه للنوبة القلبية مباشرة. حتى إن بعض هؤلاء الباحثين بدأ ينظر إلى أهمية الصوت في علاج المشاكل النفسية العصبية مثل مشاكل النطق التي عجز الطب عن علاجها.
قالوا إن بعض الترددات الصوتية تؤثر على مناطق معينة من الدماغ فتنشط الخلايا وتجعلها أكثر قدرة على العمل بكفاءة وترفع من قدرة نظام المناعة لدى المريض. ويتساءل هؤلاء الباحثين عن سر تأثير الترددات الصوتية على خلايا القلب والدماغ.
قلب الإنسان هو ذلك الجزء الصغير والذي حيَّر العلماء ولازال يحيرهم. ففي كل يوم تكتشف لنا الأبحاث الطبية شيئاً جديداً عن القلب وأمراضه وعلاجه وتأثيره الحاسم على حياة الإنسان. وكما نعلم إذا كان قلب الإنسان بخير فلا بد أن بقية أعضاء جسده ستكون بخير. أما إذا اختل توازن هذه العضلة فإن ذلك سيؤثر على الجسم كله.
يعتبر القلب مضغة دم من الدرجة الأولى يضخ كل يوم ثمانية آلاف ليتر من الدم!! و يقوم بأكثر من ألفي مليون ضربة!!! هذا الجزء المهم من جسد الإنسان يُعدُّ بمثابة المحرك للدورة الدموية، ونحن نعلم بأن الدم يقوم بحمل الغذاء والأوكسجين لجميع أنحاء الجسم ويعود بالفضلات والسموم ليطرحها.
وهذا يعني أن تعطل القلب وحركته أو حدث أي خلل فيه سيؤدي ذلك إلى خلل في الدورة الدموية وبالتالي خلل في نظام غذاء أجهزة الجسم وبالنتيجة سوف يمتد الخلل لكافة أعضاء الجسد. إذن صلاح هذه المضغة وهي القلب يعني صلاح الجسد كله، وفسادها يعني فساد الجسد كله. هذه الحقيقة العلمية اليقينية تحدث عنها البيان النبوي قبل أربعة عشر قرناً!
نعود ونتذكر حديث الرسول الكريم عليه وعلى آله الصلاة والتسليم: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) [البخاري ومسلم]. هذا الحديث موافق للحقائق الطبية الحديثة والتي تقرر الأهمية الفائقة للقلب وصحته وسلامته وتأثير ذلك على جسد الإنسان وصحته بشكل كامل.
إن مرض تضيق الشرايين والذبحة الصدرية يعتبر سبباً أساسياً في وفاة كثير من البشر. حتى إننا نجد علوم التغذية والطب الحديث والطب الواقي جميعها يركز اهتمامه على أهمية العناية بالقلب من خلال عدم تناول الشحوم والدسم والتأكيد على الأغذية الخفيفة مثل الفواكه والخضار.
من عجائب هذه المضغة القلبية أنها تربط شبكة من الأوعية، إذا وصلت مع بعضها لبلغ طولها (150) كيلو متراً!!! وتأمل قبضة الإعجاز الإلهي: عضلة لا يتجاوز حجمها قبضة اليد ووزنها الثلث كيلو غرام تقوم بضخّ الدم والوقود والغذاء إلى جميع أجهزة الجسم عبر شبكة من الأوعية الدموية يتجاوز طولها 150 كيلو متراً، وطيلة حياة الإنسان، فتبارك القائل: (صنع الله الذي أتقن كل شيء) [النمل: 88].
أود أن أخبركم أن تأثير القرآن على الإنسان أكبر بكثير من تأثير الموسيقى، فإذا كان علماء الغرب اليوم يتحدثون عن تأثير للموسيقى على الأمراض، فإنهم لو جرَّبوا القرآن لكانت النتائج مبهرة!
إن الله تعالى قد فطر كل خلية من خلايا دماغنا على صوت القرآن فإذا ما استمعنا إلى القرآن شعرنا بالحنين وكأن أحدنا طفلاً يحن إلى صوت أمه! حتى إنني وصلتُ إلى نتيجة ثانية وهي أن دماغ الإنسان يحوي خلايا خاصة لتخزين المعلومات القرآنية!!
وربما يعجب أحدكم من هذا الكلام ويقول أين المستند العلمي لذلك؟ وأقول: للأسف لقد قصَّرنا كثيراً بحق القرآن ونحن ندعي أننا نحب القرآن! أليس غريباً أن الغرب ينتج كل يوم أكثر من ألف بحث علمي، ونحن طيلة سنوات لم ننتج بحثاً قرآنياً واحداً نتباهى به أمام الغرب؟!
خلية عصبية من خلايا القلب، يؤكد بعض الباحثين من معهد رياضيات القلب أن لهذه الخلايا التي يبلغ عددها أبعين ألفاً تأثيراً قوياً على خلايا الدماغ، وأن للقلب دوراً مهماً في الإدراك والذاكرة وتخزين المعلومات والقلب يتأثر بالترددات الصوتية.
لذلك نصيحتي لكل أخ وأخت: استمعوا إلى هذا القرآن قدر المستطاع، فكلما سمعت أكثر تأثر قلبك ودماغك أكثر حتى تصل إلى درجة لا تعاني معها من أي مرض، بل إن المرض يكون بمثابة تطهير لك من الذنوب ويساعدك على الاستماع أكثر إلى القرآن.
إن القرآن له أثر عظيم في الشفاء لأنه ليس مجرد نغمات موسيقية بل هو كلام له معاني ودلالات ولحروفه قوة تأثير على الدماغ والقلب، ولذلك إذا كانت الموسيقى تؤثر على المرض فإن تأثير القرآن هو أضعاف كثيرة، ببساطة لأن خالق المرض هو منزل القرآن وهو أعلم بأنفسنا منا.
وسؤالي: أليس الأجدر بنا ونحن أصحاب أعظم كتاب على وجه الأرض أن نستفيد من هذا الكتاب العظيم فنستمع إليه كل يوم ولو لمدة ساعة؟ لنتأمل هذه الآية العظيمة والتي تتحدث عن تأثير القرآن على أولئك الذين يخافون الله ويمكنك أن تطبق هذه الآية على نفسك لتختبر درجة خشيتك لله تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [ الزمر: 23].
الضغوط النفسية وأثرها على القلب
لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب لأمر من أمور الدنيا إلا أن تُنتهك حرمة من حرمات الله تعالى! فكان رضاه من أجل الله وغضبه من أجل الله، فكان بذلك أسعد الناس وأكثرهم استقراراً وطمأنينة، وضرب لنا أروع الأمثلة في ذلك.
ولم يكد يمرّ يوم على رسول الله إلا وتحدث معه أحداث تدعو للغضب والانفعال والتوتر النفسي، ولكننا لم نعلم أنه غضب مرة واحدة إلا عندما يتعدى أحد على حدّ من حدود الله. فقد كان النبي الكريم يعالج أي مشكلة بهدوء وأناة وهذا ما جعل الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ولذلك مدحه الله في كتابه المجيد فقال في حقه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4].
أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن التوتر النفسي والضغوط والغضب تعتبر عوامل مدمرة لصحة الإنسان وقلبه وقد تؤدي إلى أمراض خطيرة مثل السرطان! ويعتقد الباحثون أنه على الرغم من أن ممارسة التمارين الرياضية وإتباع حمية غذائية جيدة وغيرها من العوامل ذات أهمية حيوية لصحة القلب، إلا أن للعوامل الاجتماعية والسعادة والإحساس بالرضا والكمال والعمل من أجل هدف في الحياة، تأثير بدورها.
بل إن النبي الكريم كان يأمر أصحابه أن يرددوا عبارة مهمة تعبر عن الرضا، صباحاً ومساءً وهو هذا الذكر: (رضيت بالله تعالى رباً وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماماً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً)، وكان يقول: من قال ذلك عشر مرات صباحاً ومساءً كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة.
وكما يؤكد الباحثون أن الرضا يعتبر من أهم الوسائل العلاجية لأي مرض نفسي، فمعظم الاضطرابات النفسية ناتجة عن عدم الرضا، ويعتبر الغضب على رأس العوامل القاتلة للإنسان، ويسبب الموت المفاجئ والجلطة الدماغية واحتشاء العضلة القلبية وضغط الدم.
الإجهاد النفسي وأثره على القلب
كشف بحث أمريكي أن الإجهاد والضغوط النفسية التي يتعرض لها الأفراد بشكل يومي يمكن أن تسبب بعض أنواع السرطان، في حين وجدت دراسة أوروبية مشابهة أن الإجهاد مضر لصحة القلب. وأظهرت الدراسة التي نفذها باحثون من جامعة "ييل" الأمريكية، أن الضغوط النفسية اليومية قد تحفز نمو الأورام، وأن أي صدمة، عاطفية أو جسدية، يمكن أن تكون بمثابة "ممر" بين الطفرات السرطانية التي تؤدي في النهاية إلى الإصابة بأورام خطيرة.
وتبين نتائج الدراسة، التي نشرت في دورية الطبيعة"، أن الظروف اللازمة للإصابة بهذا المرض يمكن أن تتأثر بالبيئة العاطفية بما في ذلك كل المهام اليومية التي نقوم بها سواء في العمل أو في نطاق العائلة.
يقول البروفسور تيان إكسو، المختص في علم الوراثة من جامعة ييل: "هناك الكثير من الظروف المختلفة يمكن أن تؤدي إلى الإجهاد، والحد منه أو تجنب الظروف المسببة له دائماً نصيحة جيدة.."
تناولت دراسة أوروبية جانباً آخر للإجهاد، إذ أظهر بحث بريطاني تأثير الإجهاد السلبي على القلب وما يمكن أن يتسبب به من أمراض، لتؤكد علمياً الاعتقاد السائد منذ القدم بارتباطه بالنوبات القلبية. ويؤكد الخبراء أن كل ضغط نفسي تتعرض له يضعف أداء القلب وكأنك تضغط عليه بأداة حادة!!
وأُخضع كل المشاركين لاختبارات ضغط ومن ثم قيست مستويات هرمون الكورتيزول، وهو هرمون الإجهاد الابتدائي الذي ينتجه الجسم عندما يتعرض إلى ضغوطات نفسية أو جسدية، ويؤدي في حال إطلاقه إلى تضييق الشرايين. ولاحظ الباحثون أن المشاركين ممن أصيبوا بالإجهاد جراء الاختبارات كانوا الأكثر عرضة، وبواقع الضعف، للإصابة بضيق الشرايين، عن أولئك الذين احتفظوا بهدوئهم.
نرى في هذا الرسم الآلية التي يعمل بها الكورتيزول cortisol وهو عبارة عن هرمون منشط ينظم ضغط الدم ووظيفة القلب الوعائية وجهاز المناعة، كما يسيطر على استعمال الجسم للبروتين والكربوهيدرات والدهون ونتيجة لزيادة الضغوط سواء البدنية مثل المرض أو الصدمة، ويزيد إنتاج هرمون الكورتيزول كردّ طبيعي وضروري في الجسم إذا بقيت مستويات التوتر عالية لفترة زمنية طويلة. وقد وجدت دراسة بريطانية جديدة أن الإجهاد الناجم عن العمل عامل مهم في حدوث أمراض القلب وداء السكري والتعرض لأخطار السكتة الدماغية.
آيات كثيرة تحض على الهدوء النفسي
إن الذي يتأمل القرآن يلاحظ أن كثيراً من الآيات تأمرنا بالصبر وعدم الغضب والتسامح والعفو، ومن هذه الآيات قوله تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى: 40]. ويقول أيضاً: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل: 126-128].
ويقول في حق المتقين الذين وعدهم جنات عرضها السموات والأرض: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 134]. وأفضل طريقة لعلاج الضغوط النفسية هي العفو، لأن الله تعالى يقول: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة: 237].
فجزء كبير من الضغوط اليومية التي يتعرض لها الإنسان سببها الإحساس بالظلم وعدم القدرة على النيل من الآخرين، ولكن بمجرد أن يمارس الإنسان "العفو" فإن المشكلة تتبخر مثل الحرارة عندما تبخر الماء! ولذلك كان النبي الكريم أكثر الناس عفواً، ويكفي أن نتذكر يوم فتح مكة عندما نصره الله على أعدائه الذين استهزؤوا به وآذوه وأخرجوه وشتموه، ولكنه عفا عنهم وقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء!
إن هذا الموقف هو درس لكل مؤمن أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه جعل ثواب التسامح والعفو كبيراً جداً في الآخرة، وجعل ثوابه عظيماً في الدنيا وهو التمتع بصحة أفضل واستقرار نفسي أكبر!
وتأملوا معي هذا النص القرآني الرائع: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت: 34-35]، فمهما كانت مشكلتك مع الآخرين يمكن حلّها بمجرد المعاملة بالتي هي أحسن وبقليل من الصبر وبكلمة طيبة كما قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [إبراهيم: 24-25].
التفاؤل وأثره على القلب
ما أعظم التعاليم التي جاء بها الإسلام، وما أروع آيات هذا القرآن، وما أجمل أحاديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم... فقد كان دائم التفاؤل ويستبشر برحمة الله، ولم يكن يحزن على أمر من أمور الدنيا أبداً، بل كان في كل لحظة يمتثل قول الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58]. وقد كان صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن، وكان أبعد الناس عن التشاؤم، بل كان ينهى عن التطيُّر و"النظرة السوداء" للمستقبل.
وبما أن الله تعالى قال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21]، فإنه من الواجب أن نقتدي بسنته ونهتدي بهديه فلا نتشاءم ونتفاءل بالخير دوماً، وهذا خلق من أخلاق النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، ولكن ماذا عن العلم الحديث، وهل هناك من اكتشاف علمي يؤكد صدق تعاليم نبيّ الرحمة عليه الصلاة والسلام؟
أكدت دراسة أمريكية بأن التشاؤم قد يهلك صاحبه، بعد أن كشفت عن زيادة احتمال تعرض مرضى القلب للوفاة بسبب معاناتهم القلبية، في حال أكثروا من التشاؤم في تعاطيهم مع حالتهم الصحية. ويقول الدكتور جون بيرفوت من المركز الطبي التابع لجامعة ديوك الأمريكية، تعد هذه من أولى الدراسات التي تختبر كيفية تأثر صحة المريض بنظرته وتوجهاته حيال مرضه، وهو ما يؤثر في النهاية على فرصه في النجاة.
وقد ركزت الدراسات السابقة على تأثير توقعات المريض، فيما يختص بحالته المرضية، على قدرته على استئناف الحياة بشكل طبيعي، وبالتحديد فيما يتعلق بالعمل وقيامه بالتمارين الرياضية، إلا أن الدراسة الأخيرة ساعدت في الكشف عن تأثير توجهات الفرد حيال مرضه على صحته البدنية.
وتشير نتائج هذه الدراسة إلى ارتفاع مخاطر الوفاة عند المرضى الذي أظهروا تشاؤماُ تجاه وضعهم الصحي، وذلك بمقدار الضعف مقارنة مع المرضى الآخرين.
ومن وجهة نظر الباحثين، فقد بات من المعلوم وجود علاقة بين الاكتئاب وزيادة معدلات الوفيات عند الأشخاص، غير أن النتائج الحالية تظهر حجم تأثير توقعات المريض، على تعافيه من المرض، بغض النظر عن أية عوامل نفسية أو اجتماعية أخرى.
ويؤكد الدكتور "بيرفوت" على أن الدراسة تقدم نصيحة للطبيب حول أهمية التنبه إلى ما يعتقده المريض حيال مرضه، لما لذلك من تأثير على تعافيه. كما تبين للمرضى بأن توقعاتهم الإيجابية تجاه هذا الأمر، لن تحسن من شعورهم فحسب، وإنما قد تمكنهم من العيش فترة أطول.
وفي ظل هذه النتائج العلمية ندرك أهمية أن يستبشر المؤمن برحمة من الله، فهو القائل: (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 171]. وقد عجب النبي صلى الله عليه وسلم من حال المؤمن فكان كل حاله خير: إذا أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإذا أصابته سراء شكر فكان خيراً له!!
من هنا نتعلم درسين من دروس التقوى: الصبر والشكر. فالمؤمن يتميز على غير المؤمن بهاتين الصفتين أثناء تعامله مع ظروف الحياة وصعوباتها، فتجد أن الصبر والشكر يجعلان المؤمن أكثر تفاؤلاً وأبعد ما يكون عن التشاؤم، لأنه يدرك أن الله معه، وأن المستقبل له، وأن الجنة بانتظاره، فلا يحزن على شيء فاته، ولا يخاف من شيء سيأتيه، ولذلك قال تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْ