كل عام نتذكر هجرة النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام، ونحاول الاستفادة من الدروس الكثيرة التي يتعلمها المؤمن من هذا الحدث التاريخي الفاصل. فقد كانت الهجرة حدثاً فاصلاً بين مرحلتين من مراحل الدعوة، وكانت بداية النصر من الله تعالى.
إن الهجرة الشريفة تردّ على كل ملحد يزعم أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم كان يريد الشهرة والمال والسلطان. فقد عُرضت عليه المناصب السياسية والاقتصادية في قومه ورفضها وكان همّه الوحيد هو "الدعوة إلى الله". ولذلك فإننا نطرح سؤالاً على هؤلاء المشككين: إذا كان النبي الكريم يريد أن يصنع ديناً لنفسه كما تزعمون، فلماذا يتكبّد عناء الهجرة والهروب من مكة إلى المدينة ويخاطر بنفسه... مع العلم أنه في أي لحظة كان من الممكن أن يدركه المشركون ويقتلونه!
وربما نتذكر كيف قال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه للنبي الكريم: يا رسول الله إنني لا أخاف على نفسي ولكن أخشى عليك أن يصيبك مكروه فتهلك الأمة من بعدك! ولكن نبينا عليه الصلاة والسلام: لم يقل لصاحبه "دبّر لنا حيلة للهروب"، ولم يقل له "فكر لنا بخطة لنحتال على قريش.." بل قال له: (ما ظنّك باثنين الله ثالثهما)؟!
إن هذه العبارة تكفي للرد على كل من يزعم أن النبي كاذب في دعوته، إن هذا القول يدل على قمّة الثقة بالله وأنه نبي صادق، لأن الصدق يظهر في المواقف الصعبة، فالموقف هنا لا يحتمل الكذب أو المراوغة أو الخداع.
لقد حزن سيدنا أبا بكر على صاحبه رسول الله، وظهر الحزن على وجهه، والمستهدف يا أحبتي هو النبي وهو الذي ينبغي أن يحزن في مثل هذا الموقف الصعب! ولكننا نجد دليلاً ثانياً يشهد على صدق هذا النبي الرحيم. النبي صلى الله عليه وسلم لم يحزن ولم يكتئب ولم يفقد الأمل وييأس، على العكس كانت ثقته كبيرة جداً بالله تعالى.
في مثل هذا الموقف والنبي في الغار والمشركون على مسافة خطوات منه يتربصون به وقد عزموا على قتله دون تراجع، ولا يمكن لأي إنسان "كاذب" أن يصمد في هذا الموقف طويلاً! ولكن النبي الكريم قال لصاحبه كلمة رائعة: (لَا تَحْزَنْ)!! يقول تعالى: (إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40].
لنلجأ الآن إلى علم النفس ونكتشف ما يقوله علماء النفس حديثاً. إنهم يؤكدون أن مظاهر الكذب والشخصية المزيفة والأفكار المصطنعة تنهار في المواقف الصعبة. ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يصنع "ديناً" لنفسه (كما يزعمون) لما احتاج أصلاً للهجرة وتعريض نفسه للخطر!
قبل هجرة النبي الكريم (منذ أكثر من 1400 سنة) كان عدد المسلمين لا يتجاوز المئات، واليوم (حسب أحدث إحصائية لعام 2009) فقد بلغ عدد المسلمين ألف وست مئة مليون مسلم (1.6 مليار مسلم)، فتصوروا معي هذا العدد الكبير كله بفضل صبر النبي الكريم وعدم يأسه وثقته بالله عز وجل، فهل تثق (أخي المؤمن) بالله تعالى وتمارس دورك في الدعوة إلى الله تعالى ولو لمرة واحدة!
ومن الدروس التي ينبغي علينا الاستفادة منها ما يلي:
1- أراد النبي صلى الله عليه وسلم من هجرته أن يعلمنا الصبر وتحمل الصعاب في دعوتنا إلى الله وألا نفقد الأمل من نصر الله واستجابته للدعاء. وهكذا أيها المؤمن، اصبر وتحمّل المتاعب في سبيل الله ومن أجل أن تنال رضا الخالق عز وجل.
2- أراد منا النبي الكريم أن نأخذ بالأسباب ولا نتكاسل أو نتقاعس عن العمل، فالهجرة هي عمل قام به النبي ليعطينا إشارة إلى أن الداعية إلى الله ينبغي عليه الأخذ بالأسباب. فلا يجلس في بيته ويقول إن الله لن يهدي هؤلاء الملحدين مثلاً! بل يحاول بكل طريقة ويتبع كل أسلوب متوافر حتى يوصل كلمة الله إلى غير المسلمين.
3- أراد النبي صلى الله عليه وسلم من خلال إقامته في الغار وقوله لسيدنا أبي بكر: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، أن يعطينا درساً في قوة الإرادة وألا نحزن مهما أصابنا من مصائب، لأن الله مع المؤمن، ولذلك نجد أن المؤمن لا يُصاب بالاكتئاب مهما كانت الظروف!
4- أرد النبي الكريم أن يعلّمنا الثقة بالله جل وعلا، فلا يجوز لمؤمن رضي بالله تعالى رباً وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماماً أن ييأس مهما كانت الظروف. وينبغي عليك أخي المؤمن أن تعلم أن الله هو الذي أراد لك هذه الظروف وأن الخير بانتظارك، ولكن ينبغي أن تنجح في الاختبار وتثق بالله ووعده ولقائه وقدرته على كشف الضر عنك.
5- أراد نبينا عليه الصلاة والسلام أن يعطينا درساً في "فن الدعوة إلى الله" من خلال ذهابه لقوم يستجيبون لدعوته في المدينة المنورة. فلم يقعد وييأس من هداية قريش، بل اتجه نحو مدينة أخرى فيها تربة خصبة لدعوته إلى الله ونشر رسالة الإسلام. وهكذا أخي المؤمن، لا تفقد الأمل من هداية الملحدين والضالين والبعيدين عن طريق الله، لا تقل إن الله لن يهديهم، بل تابع دعوتك إلى الله وابحث عن أناس آخرين لتبلغهم معجزات القرآن وتبيّن لهم عظمة هذا الدين الحنيف.
وأقول يا أحبتي! هل تتبعون خطوات هذا النبي العظيم وتسيرون على نهجه في حياتكم؟ وهل تستفيدون معي من هذه الدروس والعبر؟ إذاً منذ هذه اللحظة ابدأ معي بالدعوة إلى الله وأسهل طريقة هي الإنترنت الذي سخره الله لك، لا تتكاسل عن إرسال معلومة مفيدة لصديقك أو لإنسان تظن أنه بحاجة إليها.
ملامح إعجازالرقم 13 في القرآن
بما أن الهجرة النبوية تمت في العام 13 كان لهذا الرقم إعجاز مذهل في كتاب الله تعالى، وربما يكون من أهم الأحداث في تاريخ الإسلام هو هجرة النبي الكريم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وكان ذلك في العام الثالث عشر بعد بعثته عليه الصلاة والسلام.
لقد وُلد النبي الكريم عام الفيل، وعندما بلغ عمرة 40 سنة بدأت رحلة النبوة والوحي ونزلت عليه في ذلك العام أول آيات من القرآن الكريم. واستمرت الدعوة في مكة المكرمة 13 سنة، وفيها نزل القرآن المكّي، ثم في العام الثالث عشر هاجر إلى المدينة حيث استمرت الدعوة فيها 10 سنوات ثم توفاه الله وعمره 63 سنة.
إن النبي الأعظم وهو في طريقه إلى المدينة أنزل الله عليه آية يواسيه بها وهي قوله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ) [محمد: 13]. إن الذي لفت انتباهي أن هذه الآية نزلت في العام 13 وجاء رقمها في سورة محمد 13 أيضاً!
وأدركتُ أن وراء هذا الرقم معجزة إلهية إذ أن الله تعالى لا يختار أي رقم لحدث عظيم كهذا إلا ومن ورائه حكمة وهدف. وسوف نرى عدداً من الحقائق الرقمية المبهرة لهذا الرقم ومضاعفاته في القرآن الكريم.
أول سورة وآخر سورة في القرآن
لو تأملنا كتاب الله تعالى نلاحظ أن منه ما نزل بمكة وهو القرآن المكي، ومنه ما نزل بالمدينة وهو القرآن المدني. ولكن إذا تأملنا أول سورة وهي الفاتحة وآخر سورة وهي الناس نجد بأن كلتا السورتين نزلت بمكة المكرمة.
وقد وجدتُ تناسقاً لافتاً للانتباه في آيات وكلمات هاتين السورتين. فعدد آيات سورة الفاتحة هو 7 آيات، وعدد آيات سورة الناس هو 6 آيات، ويكون المجموع بذلك ثلاثة عشر:
7 + 6 = 13
ولكن ماذا عن كلمات السورتين، ونذكر بأننا نحصي واو العطف كلمة مستقلة في أبحاث الإعجاز العددي! إن عدد كلمات سورة الفاتحة هو 31 كلمة، وعدد كلمات آخر سورة وهي الناس هو 21 كلمة، ويكون المجموع أيضاً عدداً من مضاعفات الرقم 13 لنتأكد من ذلك:
31 + 21 = 52 = 13 × 4
وآخر آية خُتم بها القرآن وهي (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [الناس: 6]، وعددد حروفها 13 حرفاً.
مع الحروف المقطعة
في القرآن الكريم عدد من السور افتُتحت بحروف مقطعة، أولها سورة البقرة والتي نجد في بدايتها الحروف (الم)، وآخرها سورة القلم التي نجد في بدايتها الحرف (ن). والعجيب أن عدد آيات سورة البقرة وهو 286 آية جاء من مضاعفات الرقم 13 كما يلي:
286 = 13 × 22
وعدد آيات سورة القلم وهو 52 آية جاء من مضاعفات الرقم 13:
52 = 13 × 4
والأعجب من ذلك أن مجموع آيات السورتين جاء من مضاعفات الرقم 13 مرتين:
286 + 52 = 338 = 13 × 13 × 2
إن عدد السور التي في بداياتها حروف مقطعة هو 29 سورة، ولو جمعنا آيات هذه السور وجدنا عدداً هو 2743 آية وهو من مضاعفات الرقم 13:
2743 = 13 × 211
ومن هنا نستنتج أن مجموع آيات السور ذوات الحروف المقطعة جاء من مضاعفات الرقم 13 وعدد آيات أول سورة فيها جاء من مضاعفات الرقم 13 وعدد آيات آخر سورة فيها جاء من مضاعفات الرقم 13 . ليس هذا فحسب، بل لو قمنا بعد الحروف المقطعة جميعاً نجد أن عددها 78 حرفاً وهو من مضاعفات الرقم 13:
78 = 13 × 6
وأخيراً
فإن الأحداث المهمة في حياة النبي الكريم جاءت في ثلاثة أرقام:
1- البعثة: وتمت عندما كان عمر النبي 40 عاماً.
2- الهجرة: وتمت عندما كان عمر النبي 53 عاماً.
3- الوفاة: وكان عمره عليه الصلاة والسلام وقتها 63 عاماً.
إن مجموع هذه الأرقام هو:
40 + 53 + 63 = 156 = 13 × 12
وهذا غيض من فيض إعجاز هذا الرقم، نسأل الله تعالى أن يجعل في هذه الحقائق وسيلة لهداية كل من يشك في هذا الكتاب العظيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
يمكنك أخي الحبيب أن تدعو إلى الله من خلال الصدقة التي تقدمها لإنسان يدعو إلى الله عسى أن تكون سبباً في هداية الكثيرين. كما يمكنك أن تدخل إلى أحد المنتديات وتنشر مقالة عن إعجاز القرآن، باعتبار أن الإعجاز العلمي من أهم الوسائل في عصرنا هذا في الدعوة إلى الله لأننا نعيش عصر العلم. نسأل الله أن يجعلنا هُداةً مهديين... إنه على كل شيء قدير.