انه سؤال وردني أكثر من مرة ملخصه: إن الله تعالى قبل أن يخلق سيدنا آدم خاطب الملائكة بقوله: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة: 30]. ولكن الرد غير المتوقع من الملائكة كان الاستفسار عن ذلك بقولهم: (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)، ولكن الله تعالى ردّ عليهم وأخبرهم بأن علم الله أوسع من علمهم: (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، والسؤال: هل من الممكن أن هناك أمماً عاشوا قبلنا على الأرض وسفكوا الدماء؟
أحبتي في الله! إن الخوض في مثل هذه الأمور هو مسألة غيبية شائكة، وقد لا يصل فيها المرء إلى إجابة شافية، وبخاصة أننا لم نشهد لحظة خلق الله الإنسان، يقول تعالى: (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ)، ولذلك فإن كل ما يمكن قوله هو آراء تقبل النقاش والنقد، وتحتمل الصواب أو الخطأ.
أثبت العلم أن الإنسان هو آخر المخلوقات ظهوراً. حيث سبقه كثير من الأمم مثل النحل والنمل والحيوانات والنبات وغير ذلك مما سخره الله لخدمة الإنسان. وقد مرت بالأرض فترات كانت الغلبة فيها لبعض مخلوقات الله مثل الديناصورات وغيرها من المخلوقات التي أفسدت في الأرض وطغت وسفكت الدماء، حتى أهلكها الله تعالى واستخلف من بعدها أمماً أخرى. وفي بعض الروايات أنه قد صدر إفساد من الجن وكانت الملائكة ترى ما يحدث على الأرض، فقد رأت الفساد الذي أحدثته كثير من المخلوقات، فظنّت أن هذا المخلوق الجديد سيسفك الدماء ويفسد في الأرض مثل من سبقه من الأمم.
طبعاً الله تعالى يؤكد لنا أن كل المخلوقات على الأرض سواء كانت ثدييات أو زواحف أو طيور أو غير ذلك، هي أمم لديها نظام للعيش ولديها "رُسُل" ينذرونهم، ولديهم قدرة على التمييز بين الخير والشر، وأن الله لم يخلقهم عبثاً. ولكن قد يقول قائل: ما دليلك على ذلك من القرآن الكريم؟
إن الله تعالى يقول: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) [الأنعام: 38]. إذاً الطيور أمم، والنمل أمم، والديناصورات أمم مثلنا... والله تعالى يقول في آية ثانية: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) [فاطر: 24]. أي أن كل أمة عاشت على وجه الأرض قد أرسل الله لها نذيراً من جنسها، ثم يوم القيامة سوف يحشر الله هذه المخلوقات ويحاسبها على كل كبيرة وصغيرة.
من خلال الحفريات والآثار التي تركها مجتمع الديناصورات الذي عاش على الأرض وانقرض قبل 65 مليون سنة، فإن هذه المخلوقات "الشرسة" أفسدت في الأرض وسفكت دماء بعضها بشكل عنيف، وقد عثر العلماء على أدلة تؤكد أن الديناصورات كانت مخلوقات شرسة وعاثت فساداً في الأرض، ونرى ذلك من خلال الأفلام العلمية التي تصور حياة الديناصورات.
ولكن هذا الفساد لم يستمر طويلاً حتى أنزل الله عليها عقاباً فأهلكها (من الممكن أن يكون هذا العقاب عبارة عن صاعقة أو مجموعة نيازك نزلت من السماء على شكل أمطار نيزكية واخترقت الغلاف الجوي وأبادت هذه المخلوقات)، وهذه عقوبة تعهد الله بها لكل من يفسد في الأرض، يقول تعالى: (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا) [الإسراء: 58]. والله أعلم.
ولكن الله تعالى يعلم أن المخلوق الجديد سيتميَّز بميزة لم يعطها الله لأحد من قبله وهي "العلم"، فقال عز من قائل: (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا)، وطريقة التعليم هنا ليست بالشكل البسيط الذي نتصوره، أن الله لقَّن آدم كل كلمة مباشرة، بل هيَّأ له أسباب العلم، ومن هذه الأسباب أن زوَّده بالأجهزة الحيوية اللازمة لذلك. مثل الحبال الصوتية والحنجرة وغيرها، والتي تتمتع بصفة إصدار جميع النغمات والأصوات، وزوَّده بدماغ كبير قادر على تخزين ومعالجة المعلومات...
وهنا يتجلى قول الحق تبارك وتعالى: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن: 1-4]. ولولا هذه الأجهزة لما استطاع الإنسان تعلم الأسماء ولما استطاع تبيان ما يريده. وهذه القدرة على العلم والتعلم هي التي سترتقي بالإنسان وبفضلها سيكون الإنسان في أعلى الدرجات عند الله تعالى مع الأنبياء والصديقين.
أحبتي في الله! إن التفاسير التي اطلعت عليها تحوي عدداً كبيراً من الأقوال عن قصة خلق آدم عليه السلام، ونحن لا نعتمد من هذه الأقوال إلا ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.