من العلوم التي زخر بها القرآن علم البحار، ولكي يرينا الله معجزاته في البحار فقد تحدث عن أشياء دقيقة جداً، ولم تمكن رؤيتها إلا بالأجهزة الحديثة، فقد تحدث القرآن عن أعماق البحار والأمواج الداخلية العميقة فيه، وتحدث عن البرزخ بين البحرين، والبرزخ بين النهر والبحر. والقرآن يسمي النهر بحراً، ويميزه بكلمة (عذب)، للنهر وكلمة (ملح) للبحر. إنه الله تعالى الذي يعلم أسرار الكون ويعلم أسرار البحار وهو القائل عن البحار أيضاً: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً) [الفرقان: 53].
ومن رحمة الله بخلقه أن جعل لهم البحر مالحاً لتستمر فيه حياة الأسماك لتكون غذاءً للإنسان. وخلق لنا الأنهار العذبة لنشرب منها شراباً عذباً فراتاً لتستمر به حياتنا. وكما نعلم تصب الأنهار العذبة في البحار المالحة، وعلى الرغم من التدفق الكبير لمياه هذه الأنهار وبرغم ضخامة حجم مياه البحر المالح، لا تجد أي خلل أو طغيان لهذا على ذاك أو العكس.
وقد اقتضت حكمة الله تعالى وجود قوانين دقيقة تحكم النظام على الأرض. فالماء العذب أخف وزناً من الماء المالح، وبالتالي القوى الموجودة في ذرات الماء العذب تختلف عن تلك الموجودة في الماء المالح. وهذا يؤدي إلى اختلاف في الضغط والحرارة بين ماء النهر وماء البحر. كل هذه الاختلافات تؤدي إلى نشوء قوى تدافع بين ماء النهر وماء البحر في منطقة المصب أو البرزخ. هذه القوى تمثل جداراً منيعاً وحجراً محجوراً.
إن قوانين حركة السوائل لم يتم كشفها إلا في القرن العشرين على يد عشرات العلماء الذين أفنوا حياتهم في سبيل كشف هذه الحقيقة العلمية. والتي لم يتم التأكد منها فعلياً إلا في أواخر القرن العشرين عندما التقطت الأقمار الاصطناعية صوراً للبحار ومصبات الأنهار فيها وكان واضحاً البرزخ والحاجز بينهما.
إن هذا الحاجز المنيع لا يقتصر على مصبَّات الأنهار في البحار، بل هنالك حواجز مائية بين كل بحرين على سطح الأرض ! فتجد مثلاً نقطة التقاء البحرين (البحر الأحمر والمحيط الهندي) عند مضيق باب المندب، أن فيها منطقة تمتد لعدة كيلو مترات بين هذين البحرين هي منطقة البرزخ وتبقى خصائص كل بحر تختلف عن الآخر ولا يختلطان أبداً!
يقول سبحانه وتعالى: (أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النمل: 61]. وتأمل معي كم من الحقائق العلمية تتضمن هذه الآية: علم الأرض، علم الأنهار، علم الجبال، علم البحار.