الدولة العثمانية .. التأسيس والبدايات
قصة الإسلام
السلطان الغازي عثمان الأول (699- 726هـ)
لما توفي أرطغرل سنة 687هـ تولى عثمان مكانه فبدأ يوسع أملاك القبيلة بموافقة علاء الدين أمير القرمان, وفي سنة 699هـ أغار المغول على إمارة القرمان، ففر من وجههم علاء الدين إلى بلاد بيزنطة ومات في هذا العام, وتولى من بعده ابنه غياث الدين ثم قتل المغول غياث الدين, فأفسح المجال لعثمان لكي يستقل بما تحت يديه من أراضى ويقيم الدولة العثمانية التي نسبت لاسمه، واتخذ لها عاصمة هي مدينة يني شهر أي المدينة الجديدة (إسكي شهر سابقًا)، واتخذ راية له هي علم تركيا حتى الآن، ودعا عثمان أمراء الروم في آسيا الصغرى إلى الإسلام فإن أبوا فعليهم أن يدفعوا الجزية، فإن رفضوا فالحرب، فخشوا على أملاكهم منه واستعانوا بالمغول عليه.
غير أن عثمان قد جهز جيشًا بإمرة ابنه الثاني أورخان، وسيرّه لقتال المغول, فشتت شملهم ثم عاد وفتح مدينة بورصة عام 717هـ، وأمّن أهلها وأحسن إليهم فدفعوا له 30.000 من عملتهم الذهبية, وأسلم حاكمها أفرينوس, وأصبح من القادة البارزين ثم توفي عثمان في عام 726هـ، وقد عهد لابنه أورخان بالحكم بعده، ودفن بمدينة بورصة التي أصبحت مدفن العائلة العثمانية بعد ذلك.
مما هو جدير بالذكر أن لفظ الغازي بمعنى المجاهد، وقد اتخذ السلطان عثمان هذا اللقب واتخذ شعارًا يسير عليه هو "إما غازٍ وإما شهيد"، وقد تبعه في ذلك الكثيرون من سلاطين الدولة العثمانية.
السلطان الغازي أورخان الأول (726- 761هـ)
على الرغم من أنه الابن الثانى لعثمان، إلا أن أباه قد أوصى بالحكم إليه من بعده، لاتصافه بعلو الهمة والشجاعة, بينما لم يوص لابنه الأكبر علاء الدين لميله للعزلة والورع, ولم يخالف علاء الدين الوصية فقدّره أخوه أورخان وسلمه الأمور الداخلية، وتوجه أورخان لتوسيع رقعة الدولة والأعمال الخارجية، ونقل أورخان عاصمة البلاد إلى مدينة بورصة.
الإصلاحات الداخلية ووضع نظام للجيش:
قام علاء الدين بضرب العملة من الفضة والذهب, ووضع نظامًا للجيش وجعلها دائمة؛ حيث كانت الجيوش قبل ذلك لا تجمع إلا وقت الحرب وتصرف بعده، وخشي من تحزب كل فريق من الجند للقبيلة التابع إليها فأشار عليه (قرة خليل)، والذي صار وزيرًا بعد ذلك باسم خير الدين باشا بأخذ الأطفال المشرّدين والأطفال الذين فقدوا آباءهم في الحرب من الروم وتربيتهم تربية إسلامية وتدريبهم على فنون القتال في ثكنات عسكرية؛ بحيث لا يعرفون حرفة إلا الجهاد في سبيل الله ولا يعرفون إلا السلطان سيدًا لهم، فمن جهة يحمونهم من التشرد والانحراف والضياع، ومن جهة أخرى يدخلون في الإسلام ويكونون ردءًا ضد أعدائه، وأطلق عليهم يني تشري أي الجيش الجديد، وحرفت بالعربية لتكون إنكشارية، وغدا هذا الجيش قوة كبيرة ساعدت في مد الفتوحات العثمانية في أوربا، وهذا ما أثار نصارى أوربا وبلغ حقدهم الصليبي أوجه؛ حينما تمثلت أمامهم حقيقة أن هذا الجيش يمثل أبناءهم الذين لم يكتفوا باعتناق الإسلام بل تحولوا لقتالهم وفتح بلادهم، وعكف المؤرخون النصارى على تشويه صورة الإنكشارية في التاريخ، واتهموا الدولة العثمانية بأخذ الأطفال من آبائهم قهرًا وإجبارهم على اعتناق الإسلام، وهذه إحدى الافتراءات على العثمانيين.
ومع توارد السلاطين في الدولة العثمانية ظهر منهم الضعفاء الذين سمحوا للإنكشارية بالتدخل في شئون الحكم، وأدى ذلك إلى زيادة نفوذهم في الحكم وتحولهم إلى طريق الفساد والهزيمة حتى قُضي عليهم سنة 1242هـ في عهد الخليفة محمود الثاني.
كما اهتم أورخان بإعمار البلاد، ففتح المدارس وسن الأنظمة اللازمة لاستتباب الأمن بالداخل، وأكثر من بناء المساجد والتكايا وأجزل العطايا للعلماء والشعراء.
فتوحات أورخان (الشئون الخارجية):
وواصل أورخان فتوحاته, ففتح أزمير وأزنيق وإمارة قرة سي التي مات حاكمها فاختلف ولداه, فضمها أورخان كي لا تقع فريسة بيد الروم (كلها مناطق في الأناضول)، وكان أورخان إذا فتح مدينة عامل أهلها باللين والرفق ولم يعارضهم في إقامة شعائر دينهم وأذن لمن يريد الهجرة بأخذ كافة منقولاته وبيع عقاراته.
الزواج من الأجنبيات:
وفي عام 756هـ طلب إمبراطور بيزنطة يوحنا الخامس من السلطان أورخان مساعدته ضد إمبراطور الصرب أصطفان دوشان, الذي تحالف مع البندقية والإمارات الصربية للهجوم على القسطنطينية، على أن يزوجه بابنة الوصي على العرش يوحنا كانتا كوزين، والتي أختها زوجة لإمبراطور بيزنطة أي يصبح عديلاً للسلطان، ووافق أورخان إلا أن أصطفان قد أدركه الموت والجنود العثمانية في الطريق فعادوا إلى بلادهم وتمت الزيجة.
ومما هو جدير بالذكر أن زواج السلاطين من الأجنبيات النصارى قد انتشر بصورة كبيرة في عهد الدولة العثمانية, فقد سبق لعثمان الأول الزواج من مسيحية من فليقيا وسبق لأورخان الزواج من فتاه يونانية مسيحية، وتبعهم الكثير من السلاطين العثمانيين في ذلك, وكان ذلك من سلبيات الدولة العثمانية؛ حيث تمسك كثير من الزوجات النصرانيات بدينهن, واستغللن منصبهن كزوجة للسلطان في التعصب لأبناء جلدتهن، ومن على دينهن من رعايا الدولة العثمانية.
العبور للبر الأوربي:
لاحظ أورخان ضعف الدولة البيزنطية, وانكماش رقعتها فقرر النزول إلى الشاطئ الأوربي وفتح الأراضي التي تقع غرب القسطنطينية تمهيدًا لفتحها, حيث إن المسلمين حاولوا فيما سبق فتحها من جهة الشرق، ولكنهم فشلوا فانطلق ابن أورخان الكبير سليمان مع أربعين من رجاله الأبطال، وعبروا للشاطئ الأوربي، واستولوا على الزوارق هناك، ثم عادوا إلى الشاطئ الشرقي حيث لم يكن لدى الدولة أسطول في ذلك الوقت، ثم انطلقوا مرة أخرى إلى الشاطئ الأوربي فاتحين، فسيطروا على قلعة تزنب وشبه جزيرة غاليبولي ذات القلاع المهمة، وبها تحكموا في مضيق الدردنيل.
وفي عام 760هـ، توفي سليمان ولى العهد والقائد الفذ نتيجة سقوطه عن جواده، وفي العام الثاني توفي أورخان وتولى الحكم ابنه الثاني مراد الأول.