رجلٌ رأى صور الآنبياء عليهم السلام
في عهد أبو بكر الصديق رضي الله عنه , أرسله أبو بكر الى جبلة بن الأيهم ملك الغساسنة وهرقل ملك الروم يدعوهما الى الاسلام، ونترك الحديث لهشام رضي الله عنه كما ورد في كتاب حياة الصحابة للعلامة الشيخ محمد يوسف كاندهلوي رحمه الله حيّا وميتا:
" بعثت أنا ونُعيم بن عبد الله الى هرقل ملك الروم بدعوة الى الاسلام، فخرجنا حتى قدمنا الغوطة- (ضاحية من ضواحي دمشق وتبعد عن دمشق العاصمة حوالي سبعة أميال).
فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني- آخر ملوك الغساسنة في بلاد الشام- فدخلنا عليه فاذا هو في سريره، فأرسل الينا برسول نُكلمه، فقلنا: والله لا نُكلم رسولا، وانما بُعثنا الى الملك، فرجع اليه الرسول الى ملكه فاخبره بما قلناه, فأذن لنا الملك، فكلمته ودعوته الى الاسلام وعليه ثياب سود، فقلت له: وما هذه التي عليك؟ أجاب: لقد حلفت ألا أنزعها حتى أُخرجكم من الشام، فقلنا له: ومجلسك هذا والله لنأخذنَّه منك، ولنأخذنّ مُلكك الأعظم هذا انشاء الله، فقد أخبرنا بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ولما تصدى لنا رجاله قال لهم: لستم بهم، انهم قومٌ يصومون النهار ويقومون بالليل، ثم قال: قوموا! وبعث معنا رسولا الى هرقل ملك الروم، حتى اذا اقتربنا من ملكه قيل لنا: انّ دوابَّكم هذه لا تدخل مدينة الملك، فان شئتم حملناكم على البغال، قلنا: والله لا ندخل الا على رواحلنا، فأرسلوا الى الملك جوابنا فأمرهم بان ندخل عليه ونحن عليها ، فدخلنا متقلدين سيوفنا حتى اذا انتهينا الى غرفة الملك، قلنا قبل أن ندخل: لا اله الا الله والله أكبر،
فأرسل الينا: ليس لكم أن تجهرواعلينا بدينكم، فدخلنا عليه وعنده بطارقة الروم- مستشاري الحروب- وكل ما حولنا أحمر من ثياب ومتاع وفرش، فعندما دنونا منه ضحك وقال:لم لم تُحيّوني بتحيتكم فيما بينكم؟
فقلنا:نا : ب وعليكم السلام ورحمة الله
فقال: وكيف تُحيّون ملككم؟
قلنا: نُحييّه بها ويرد علينا بها أيضا.
فقال انّ تحيتنا فيما بيننا لا تحلُّ لك، وتحيتك التي تُحيّي بها قومك لا يحلُّ لنا أن نُحييّك بها.
فقال: وكيف هي تحيتكم فيما بينكم؟
فقلنا: السلام عليكم.
فقال: وكيف تردون؟
فقل: وما هو أعظم كلامكم؟
قلنا: لا اله الا الله
فلما تكلمنا بها انتفضت الغرفة حتى رفع رأسه اليها ثم قال: بهذه الكلمة التي قلتموها انتفضت الغرفة، أتنتفض غرف بيوتكم كلما تقولوها؟
قلنا: لا... ما رأيناها فعلت مثل هذا قط الا عندك.
قال: لكم وددت لوأنكم كلما قلتموها تفعل مثل ذلك بغرفكم , وخرجت من نصف ملكي.
قلنا: ولم؟
فقال: لأنه يكون أيسر لشأنها وأجدر ألا تكون من أمر النبوة في شيء، بل من حيل الناس.
ثم دعوناه الى الاسلام، فسألنا عن صلاتنا وصيامنا، وبعد أن أخبرناه عنهما أمر لنا بمنزل حسن وأكرم ضيافتنا، فاقمنا في قصره ثلاثة أيام بلياليه، ثم أرسل الينا ليلا فدخلنا عليه، ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة المذهبة- اناء مركب- فيه بيوت صغيرة وعليها أبواب وقفل، ففتح أحدها واستخرج منها حريرة سوداء بداخلها صورة حمراء، واذ فيها رجلٌ ضخم العينين، وبدون لحية، لم أرى مثل طول عنقه، وله ضفيرتان من أحسن ما خلق الله، فقال: أتعرفون من هذا؟ قلنا:لا قال: هذا آدم (عليه السلام).
ثم فتح بابا آخر، وأخرج منه حريرة سوداء بداخلها صورة بيضاء، واذ فيها رجل له شعر قطيط (أجعد) أحمر العينين، ضخم الهامة، حسن اللحية، وقال: هذا نوح (عليه السلام).
ثم فتح بابا ثالث، وأخرج منه حريرة سوداء، بداخلها صورة رجل شديد البياض، حسن العينين، صلت الجبين (واسع وأملس) طويل الخدين، أبيض اللحية مبتسم، وقال: هذاابراهيم (عليه السلام).
ثم فتح بابا رابع، وأخرج منه حريرة سوداء بداخلها صورة رجل أبيض حسن الوجه، أقنى الأنف (طويل مع حدب في الوسط) حسن القامة، يعلو وجهه نور، يعرف في وجهه الخشوع، يضرب الى الحمرة، ثم قال: هذا اسماعيل (عليه السلام).
ثم فتح بابا خامس، وأخرج منه حريرة سوداء بداخلها صورة أدماء ( سمرة شديدة) سمحاء (سوداء) واذا برجل أجعد قطط، غائر العينين، حديد النظر، عا بس، متراكب الأسنان، متقلص الشفة( منزوية للأعلى) كأنه غضبان، وقال: هذا موسى بن عمران (عليه السلام) والى جانبه صورة تشبهه، مدهان الرأس (دهن الشعر) عريض الجبين، في عينيه قبل(حول) ثم قال: هذا هارون بن عمران (عليه السلام).
ثم فتح بابا سادس، وأخرج منه حريرة بيضاء، بداخلها صورة رجل سبط ربعة (مربوع) ، كأنه غضبان، ثم قال: هذا لوط (عليه السلام).
ثم فتح بابا سابع، واخرج منه حريرة بيضاء، بداخلها صورة رجل ابضو مشرئب الحمرة، أقنى الأنف (طويل الأنف في وسط حدب) خفيف العارضين (الخدود) حسن الوجه، ثم قال: هذا اسحاق (عليه السلام).
ثم فتح بابا ثامن، واخرج منه حريرة بيضاء بداخلها صورة تشبه اسحق، على شفتيه خال، ثم قال: هذا يعقوب (عليه السلام).
ثم فتح بابا تاسع، واخرج منه حريرة بيضاء، بداخلها صورة رجل حسن الوجه، شبيه بآدم، كأن وجهه الشمس، ثم قال: هذا يوسف (عليه السلام).
ثم فتح بابا عاشر، وأخرج منه حريرة بيضاء بداخلها صورة رجل احمر الساقين (دقيق) أخفش العينين (صغيرة) ضخم البطن، متقلدا سيف، ثم قال: هذا داوود (عليه السلام).
ثم فتح بابا حادي عشر، وأخرج حريرة بيضاء بداخلها صورة رجل ضخم الآليتين، طويل الرجلين، يركب فرس،ثم قال: هذا سليمان (عليه السلام).
ثم فتح بابا ثاني عشر، وأخرج منه حريرة سوداء بداخلها صورة بيضاء ، واذا بشاب، شديد سواد اللحية، كثير الشعر، حسن الوجه والعينين، هيئته كهيئة آدم، ثم قال: هذا عيسى (عليه السلام).
قلنا: من أين لك بتلك الصور؟ انّ هيئتها كهيئة نبينا عليه الصلاة والسلام , قال: انّ آدم (عليه السلام) سأل ربه أن يُريهُ الأنبياء من ولده، فأنزل عليه صورهم، فكانت في خزانة آدم (عليه السلام) عند مغرب الشمس، فاستخرجها ذو القرنين (عليه السلام) من مغرب الشمس، فدفعها الى دانيال (عليه السلام) ، ثم قال: أما والله! انّ نفسي طابت بالخروج من ملكي، وان كنت عبدا لأشركتكم ملكه حتى أموت.
ثم أجازنا فأحسن جائزتنا وسرَّحنا.
فلما أتينا أبا بكر رضي الله عنه، حدّثناه عن هرقل وما أرانا من صور، وبما قال، وبما أجازنا، فقال أبو بكررضي الله عنه: مسكين! لو أراد الله به خيرا لكان، ثم قال رضي الله عنه: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:أنهم واليهود يُحبّون نعت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم."