فوائد منتقاة في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -
حديث ابن مسعود رفعه «إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة». وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان.
من محاضرة بعنوان :
فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
لفضيلة الشيخ العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله .
فضل الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلّم –:
وقد ورد في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلّم - أحاديثُ كثيرةٌ جمعها الحافظ إسماعيل ابن إسحاق القاضي في كتاب أفرده لها، وقد أشار الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرحه حديث كيفية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلّم - الذي أورده البخاري في (كتاب الدعوات) من صحيحه إلى الجيد من أحاديث فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلّم-.
والحافظ ابن حجر من أهل الإستقراء التام، والإطلاع الواسع على دواوين السنة النبوية، فأنا أورد هنا ما ذكره في هذا الموضوع - رحمه الله - : (11/167) ((واستدل به على فضيلة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلّم- من جهة ورود الأمر بها وإعتناء الصحابة بالسؤال عن كيفيتها، وقد ورد في التصريح بفضلها أحاديث قوية لم يخرج البخاري منها شيئاً.
منها: ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رفعه «من صلى علي واحدةً صلى الله عليه عشراً».
وله شاهد عن أنس عن أحمد والنسائي، وصححه ابن حبان، وعن أبي بردة بن نيار وأبي طلحة كلاهما عند النسائي ورواتهما ثقات، ولفظ أبي بردة «من صلى علي من أمتي صلاة مخلصاً من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر درجات، وكتب له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات».
ولفظ أبي طلحة عنده نحوه وصححه ابن حبان.
ومنها حديث ابن مسعود رفعه «إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة». وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان.
وله شاهد عند البيهقي عن أبي أمامة بلفظ: «صلاة أمتي تعرض عليَّ في كل يوم جمعة فمن كان أكثره عليَّ صلاة كان أقربهم مني منزلة». ولا بأس بسنده.
وورد الأمر بإكثار الصلاة عليه يوم الجمعة من حديث أوس بن أوس وهو عند أحمد وأبي داود وصححه ابن حبان والحاكم.
ومنها حديث: «البخيل من ذكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ». أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن حبان، والحاكم، واسماعيل القاضي، وأطنب في تخريج طرقه وبيان الإختلاف فيه من حديث عليّ ومن حديث ابنه الحسين، ولا يقصر عن درجة الحسن.
ومنها «من نسي الصلاة عليّ خطئ طريق الجنة». أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس، والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة، وابن أبي حاتم من حديث جابر، والطبراني من حديث حسين بن علي، وهذه الطرق يشد بعضها بعضاً.
وحديث : «رَغِمَ أنف رجل ذكرة عنده فلم يصل عليّ». أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ «من ذكرت عنده فلم يصلِّ علي فمات فدخل النار فأبعده الله». وله شاهد عنده، وصححه الحاكم، وله شاهد من حديث أبي ذر في الطبراني، وآخر عن أنس عند ابن أبي شيبة، وآخر مرسل عن الحسن عند سعيد بن منصور، وأخرجه ابن حبان من حديث أبي هريرة، ومن حديث مالك بن الحويرث، ومن حديث عبد الله بن عباس عند الطبراني، ومن حديث عبد الله بن جعفر عند الفريابي، وعند الحاكم من حديث كعب بن عجرة بلفظ: «بَعُدَ من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ».
وعند الطبراني من حديث جابر رفعه «شَقِيَ عبدٌ ذُكِرت عنده فلم يصلّ عليّ». وعند عبد الرزاق من مرسل قتادة «من الجفاء أن أُذكَرعند رجل فلا يصلي عليّ».
ومنها حديث أبي بن كعب (( أنّ رجلاً قال يا رسول الله؛ إني أكثر الصلاة، فما أجعل لك من صلاتي؟ قال: «ما شئت»، قال الثلث، قال: «ما شئت، وإن زدت فهو خير» - إلى أن قال - أجعل لك كل صلاتي. قال: «إذاً تُكفى همك» الحديث أخرجه أحمد وغيره بسند حسن.
هذا الجيد من الأحاديث الواردة في ذلك وفي الباب أحاديثُ كثيرةً ضعيفةٌ وواهيةٌ.
وأما ما وضعه القُصاص في ذلك فلا يُحصى كثرة، وفي الأحاديث القوية غنية عن ذلك)) انتهى كلام الحافظ ابن حجر - رحمه الله - .
والمراد من الصلاة في حديث أبي بت كعب ((فما أجعل لك من صلاتي)): (الدعاء).
معنى الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلّم –:
صلاة الله على نبيّه - صلى الله عليه وسلّم - فُسِّرت بثنائه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة عليه فُسِّرت بدعائهم له، فَسّرها بذلك أبو العالية، كما ذكره عنه البخاري في صحيحه، في مطلع باب : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56].
وقال البخاري في تفسير صلاة الملائكة عليه بعد ذكر تفسير أبي العالية قال ابن عباس: يصلون: يُبرِّكون، أي يدعون له بالبركة.
وفسّرت صلاة الله عليه بالمغفرة، وبالرحمة كما نقله الحافظ ابن حجر في الفتح عن جماعة، وتعقّب تفسيرها بذلك ثمّ قال: ((وأولى الأقوال ما تقدّم عن أبي العالية أنّ معنى صلاة الله على نبيّه ثناؤه عليه وتعظيمه، وصلاة الملائكة وغيرهم عليه طلب ذلك له من الله - تعالى - والمراد: طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة)).
وقال الحافظ: ((وقال الحليمي في الشعب: معنى الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلّم - تعظيمه، فمعنى قولنا: اللهمّ صل على محمد: عظم محمداً والمراد: تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دينه، وإبقاء شريعته.
وفي الآخرة بإجزال مثوبته، وتشفيعه، في أمّته وإبدال فضيلته بالمقام المحمود.
وعلى هذا فالمراد بقوله - تعالى - : (صَلُّوا عَلَيْهِ) : ادعوا ربكم بالصلاة عليه )). انتهى
وقال العلامة ابن القيم في كتابه (جلاء الأفهام في الصلاة على خير الأنام) في معرض الكلام على صلاة الله وملائكته على رسوله - صلى الله عليه وسلّم- :
وأمر عباده المؤمنين بأن يصلوا عليه بعد أن رد أن يكون المعنى: الرحمة والإستغفار قال: ((بل الصلاة المأمور بها فيها - يعني آية الأحزاب - هي الطلب من الله ما أخبر به عن صلاته، وصلاة ملائكته، وهي: ثناء عليه، وإظهار لفضه وشرفه، وإرادة تكريمه وتقريبه؛ فهي تتضمّن الخبر والطلب، وسمى هذا السؤال والعاء منا نحن صلاة عليه لوجهين:
أحدهما: أنّه يتضمّن ثناء المصلي عليه، والإشادة بذكر شرفه وفضله، والإرادة والمحبة لذلك من الله، فقد تضمنت الخبر والطلب.
والوجه الثاني: أن ذلك سمى صلاة منا لسؤالنا من الله أن يصلي عليه، فصلاة الله عليه: ثناؤه لرفع ذكره وتقريبه، وصلاتنا نحن عليه: سؤال الله تعالى أن يفعل ذلك به )) انتهى.
معنى التسليم على النبي- صلى الله عليه وسلّم –:
وأما معنى التسليم على النبي - صلى الله عليه وسلّم - فقد قال فيه المجد الفيروز أبادي في كتابه: ( الصلات والبشرى في الصلاة على خير البشر): ((ومعناه: السلام الذي هو اسم من أسماء الله - تعالى - عليك وتأويله: لا خَلَوْتَ من الخيرات والبركات، وسَلِمت من المكاره والآفات؛ إذ كان اسم الله - تعالى - إنما يذكر على الأمور توقعاً لإجتماع معاني الخير والبركة فيها، وانتفاء عوارض الخلل والفساد عنها.
ويحتمل أن يكون السلام بمعنى السلامة أي: ليكن قضاء الله - تعالى - عليك السلامة، أي سلِمت من الملام والنقائض.
فإذا قلت: اللهم سلم على محمد، فإنما تريد منه: اللهم اكتب لمحمد في دعوته وأمته وذكره السلامة من كل نقص، فتزداد دعوته على ممر الأيام علواً، وأمته تكاثراً، وذكره إرتفاعاً)).
كيفية الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلّم –:
أما كيفية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلّم - فقد بينها رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - لأصحابه حين سألوه عن ذلك، وقد وردت هذه الكيفية من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - أذكر منها هنا ما كان في الصحيحين أو في أحدهما.
روى البخاري في كتاب الأنبياء من صحيحه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: (( لقيني كعب بنُ عُجْرَةَ فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي - صلى الله عليه وسلّم - فقلت: يا رسول الله، كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ فإن الله قد علمنا كيف نسلم.
قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد»)).
وأخرج - أيضاً - حديث كعب بن عجرة في كتاب التفسير من صحيحه في تفسير سورة الأحزاب ولفظه: (( قيل يا رسول الله، أمَّا السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟
قال: قولوا: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد»)).
وأخرجه - أيضا - في كتاب الدعوات من صحيحه، وقد أخرج هذا الحديث مسلم عن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - من طرق متعددة عنه.
وأخرج البخاري في كتاب الدعوات من صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: (( قلنا: يا رسول الله هذا السلام عليك فكيف نصلي؟
قال: «قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم»)).
وأخرجه عنه - أيضاً - في تفسير سورة الأحزاب.
وأخرج البخاري في كتاب الأنبياء من صحيحه عن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلّم -: «قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد».
وأخرج عنه - أيضاً - في كتاب الدعوات بمثل هذا اللفظ، وأخرج هذا الحديث عن أبي حميد - رضي الله عنه - مسلم في صحيحه.
وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله - تعالى - أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟
قال: فسكت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم - حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - : «قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتكم».
هذه هي المواضع التي خُرِّج فيها هذا الحديث في الصحيحين أو أحدهما، وهي عن أربعة من الصحابة: كعب بن عجرة، وأبي سعيد الخدري، وأبي حميد الساعدي، وأبي مسعود الأنصاري، وقد اتفق البخاري ومسلم على إخراجه من حديث (كعب وأبي حميد) وانفرد البخاري بإخراجه من حديث أبي سعيد وانفرد مسلم بإخراجه من حديث أبي مسعود الأنصاري.
وقد أخرجه عن هؤلاء الأربعة غير الشيخين، فرواه عن كعب بن عجرة أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والإمام أحمد، والدارمي. ورواه عن أبي سعيد الخدري: النسائي، وابن ماجه. ورواه عن أبي حميد: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه. ورواه عن أبي مسعود الأنصاري: أبو داود، والنسائي، والدارمي.
وروى حديث كيفية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلّم - جماعة من الصحابة غير هؤلاء الأربعة منهم: طلحة بن عبد الله ، وأبو هريرة، وبريدة بن الحصيب، وابن مسعود - رضي الله عنهم - أجمعين.
أفضل كيفيـات الصـلاة علـى النبـي- صلى الله عليه وسلّم – وأكملها :
وهذه (الكيفية) التي علَّم- صلى الله عليه وسلّم - أصحابه إياها عندما سألوه عن كيفية الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلّم - هي أفضل كيفيات الصلاة عليه- صلى الله عليه وسلّم -.
وأكملها الصيغة التي فيها الجمع بين الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلّم - وآله، والصلاة على إبراهيم- صلى الله عليه وسلّم - وآله.
وممن إستدل بتفضيل الكيفية التي أجاب النبي- صلى الله عليه وسلّم - أصحابه بها، الحافظ ابن حجر في فتح الباري فقد قال فيه: (11/166) قلت: ((واستُدِل بتعليمه - صلى الله عليه وسلّم - لأصحابه الكيفية بعد سؤالهم عنها بأنها أفضل كيفيات الصلاة عليه، لأنه لا يختار لنفسه إلا الأشرف الأفضل، ويترتب على ذلك، لو حلف أن يصلي عليه أفضل الصلاة، فطريق البر أن يأتي بذلك)).
ثم ذكر أن النووي صوب ذلك في الروضة، وذكر كيفياتٍ أخرى يحصل بها بر الحلف، ثمّ قال: ((والذي يرشد إليه الدليل أن البر يحصل بما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ؛ لقوله: «من سرّه أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا فليقل: اللهم صلِّ على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم..» الحديث والله أعلم)) انتهى.
صيغتان مختصرتان للصـلاة والسلم عليه - صلى الله عليه وسلّم –:
وقد درج السلف الصالح، ومنهم المحَدِّثون بذكر الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلّم - عند ذكره بصيغتين مختصرتين: إحداهما: ((صلى الله عليه وسلّم)) ، والثانية : ((عليه الصلاة والسلام)).
وهاتان الصيغتان قد امتلأت بهما - ولله الحمد - كتب الحديث، بل إنهم يدونون في مؤلفاتهم الوصايا بالمحافظة على ذلك على الوجه الأكمل من الجمع بين الصلاة و التسليم عليه - صلى الله عليه وسلّم -.
يقول الإمام ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث: ((ينبغي له - يعني كاتب الحديث - أن يحافظ على كَتْبِهِ الصلاة والتسليم على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم - عند ذكره، ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكريره، فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته، ومن أغفل ذلك حُرِمَ حظاً عظيماً)).
إلى أن قال: ((وليتجنب في إثباتها نقصين: أحدهما أن يكتبها منقوصة، صورة رامزاً إليها بحرفين أو نحو ذلك.
والثاني: أن يكتبها منقوصة معنى بأن لا يكتب وسلم وإن وجد ذلك في خط بعض المتقدمين)). انتهى محل الغرض منه.
وقال النووي في كتاب الأذكار: ((إذا صلى أحدكم على النبي - صلى الله عليه وسلّم - فليجمع بين الصلاة والتسليم، ولا يقتصر على أحدهما، فلا يقل (( صلى الله عليه)) فقط، ولا ((عليه السلام)) فقط)) انتهى.
وقد نقل هذا عنه ابن كثير في ختام تفسيره آية الأحزاب من كتاب التفسير، ثم قال ابن كثير: ((وهذا الذي قاله منتزع من هذه الآية وهي قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) فالأولى أن يقال صلى الله عليه وسلّم تسليماً)). انتهى.
وقال الفيروز ابادي في كتابه الصلات والبشر: ((ولا ينبغي أن ترمز للصلاة كما يفعله بعض الكسالى، والجهلة، وعوام الطلبة فيكتبون صورة ((صلعم)) بدلاً من - صلى الله عليه وسلّم -)).
عِظَم شأن السنة في نفوس السلف وبيان سر انتصارهم على أعدائهم بخلاف حال المسلمين اليوم :
ويطيب لي أن أختم هذه المحاضرة بإثبات قطعه مما كتبته في شرح حديث كعب بن عجرة - رضي الله عنه - في كيفية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلّم - وهو الحديث التاسع عشر من الأحاديث العشرين التي اخترتها من صحيح مسلم والتي طبعت تحت عنوان: ((عشرون حديثاً من صحيح مسلم دراسة أسانيدها وشرح متونها)) وهذه القطعة هي :
قول كعب بن عجرة - رضي الله عنه -لابن أبي ليلى ألا أهدي لك هدية.. يدل على أن أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعرفة سنته - صلى الله عليه وسلم - وتطبيقها أنفس الأشياء عندهم وأحبها إلى نفوسهم.
ولهذا قال كعب ما قال منبهاً إلى أهمية ما سيلقيه على ابن أبي ليلى؛ ليستعد لفهمه، ويهيئ نفسه لتلقيه، والإحاطة به.
ولما كان السلف معنيين بسنة نبيّهم - صلى الله عليه وسلم - حريصين عليها وهي أنفس هداياهم، لما قام في قلوبهم من محبتهموالحرص على تطبيقها - كانوا سادةَ الأمم، ومحطَّ أنظار العالم، وكان النصر على الأعداء حليفهم، وكانت الشوكة والغلبة للإسلام وأهله كما قال - تعالى -: ( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) .
وعلى العكس من ذلك ما نشاهده اليوم من واقع المسلمين المؤلم من التخاذل، والتفكك، والزهد في تعاليم الشريعة، والبعد عنها إلا من رحم الله وقليل ما هم، لما كانوا كذلك لم يحسب أعداؤهم لهم أي حساب، ولم يقيموا لهم أدنى وزن، وكانوا هائبين بعد أن كان أسلافهم مهيبين، وغُزُوا في عقر دارهم من عدوهم وممن تربى على أيديهم من أبنائهم.
وإذا تأمل العاقل ما تضمنه هذا الحديث الشريف من بيان قيمة السنة النبوية في نفوس السلف الصالح، وعظيم منزلتها في نفوسهم، وأنها أنفس هداياهم، ثمّ نظر إلى حالة الكثير من المنتسبين إلى الإسلام اليوم، وما ابتلوا به من الزهد في الشريعة، والتحاكم إلى غيرها.
أقول: إذا تأمل العاقل أحوال أولئك وأحوال هؤلاء - عرف السر الذي من أجله كان أولئك ينتصرون على أعدائهم مع قلة عدتهم وعددهم، وكان هؤلاء ينهزمون وهم كثيرون أمام الأعداء.
ولن يقوم للمسلمين قائمة إلا إذا رجعوا إلى الكتاب العزيز والسنة المطهرة، ولفظوا القوانين الوضعية الوضيعة وغيرها من البضائع الرديئة المستوردة مما وراء البحار، ونظفوا نفوسهم وأوطانهم منها.
وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفق المسلمين جميعاً حاكمين ومحكومين إلى الرجوع إلى كتاب ربهم، وسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ليظفروا بالأسباب الحقيقية لحصول النصر والغلبة على الأعداء، إنه سميعٌ مجيب الدعاء والحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
فوائد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من السنة
لعبدالله العتيبي
معنى الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم :
قال الله تعالى : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلم تسليما ) .
قال ابن كثير – رحمه الله - : المقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه تصلي عليه الملائكة ثم أمر الله تعالى العالم السفلي بالصلاة والسلام عليه ، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعاً .
قال أبن القيم – رحمه الله – في جلاء الإفهام : والمعنى أنه إذا كان الله وملائكته يصلون على رسوله فصلوا عليه أيضاً صلوا عليه وسلموا تسليما لما نالكم ببركة رسالته ويمن سفارته ، ومن خير شرف الدنيا والآخرة .
وذكر ابن القيم 39 فائدة لصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم منها :
امتثال أمر الله سبحانه وتعالى .
حصول عشر صلوات من الله على المصلي مره .
يكتب له عشر حسنات ويمحو عنه عشر سيئات .
أن يرفع له عشر درجات .
أنها سبب لشفاعة صلى الله عليه وسلم إذا قرنها بسؤال الوسيلة له ، أو إفرادها .
أنها سبب لغفران الذنوب .
أنها سبب لكفاية الله ما أهمه .
أنا سبب لقرب العبد منه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة .
أنها سبب لصلاة الله على المصلي وصلاة الملائكة عليه .
أنها سبب لرد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة والسلام على المصلي .
أنها سبب لطيب المجلس ، وأن لا يعود حسرة على أهله يوم القيامة .
أنها سبب لنفي الفقر .
أنها تنفي عن العبد اسم "البخيل" إذا صلى عليه عند ذكره صلى الله عليه وسلم .
أنها سبب لإلقاء الله سبحانه وتعالى الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض ، لأن المصلي طالب من الله أن يثني على رسوله ويكرمه ويشرفه ، والجزاء من جنس العمل فلا بد أن يحصل للمصلي نوع من ذلك
أنها سبب للبركة في ذات المصلي وعمله وعمره وأسباب مصالحة لأن المصلي داع ربه أن يبارك عليه وعلى آله وهذا الدعاء مستجاب والجزاء من جنسه .
أنها سبب لعرض اسم المصلي عليه صلى الله عليه وسلم وذكره عنده كما تقدم قوله صلى الله عليه وسلم :" إن صلاتكم معروضة علي " وقوله صلى الله عليه وسلم :" إن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام " وكفى بالعبد نبلاً أن يذكر اسمه بالخير بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أنها سبب لتثبيت القدم على الصراط والجواز عليه لحديث عبدالرحمن بن سمره الذي رواه عنه سعيد بن المسيب في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وفيه :" ورأيت رجلاً من أمتي يزحف على الصراط ويحبو أحياناً ويتعلق أحياناً ، فجاءته صلاته على فأقامته على قدميه وأنقذته " [رواه أبو موسى المديني وبنى عليه كتابه في "الترغيب والترهيب" وقال عنه حديث حسن جداً ] .
أنها سبب لدوام محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وزيادتها وتضاعفها ، وذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه فسيتضاعف حبه له وتزايد شوقه إليه ، واستولى على جميع قلبه ، وإذا أعرض عن ذكره وإحضار محاسنه يغلبه ، نقص حبه من قلبه ، ولا شيء أقر لعين المحب من رؤية محبوبه ولا أقر لقلبه من ذكر محاسنه ، وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه والحس شاهد بذلك .
أنها سبب لهداية العبد وحياة قلبه ، فإنه كلما أكثر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وذكره ، استولت محبته على قلبه ، حتى لا يبقى في قلبه معارضة لشيء من أوامره ، ولا شك في شيء مما جاء به ، بل يصير ما جاء به مكتوباً مسطوراً في قلبه ويقتبس الهدى والفلاح وأنواع العلوم منه ، فأهل العلم العارفين بسنته وهديه المتبعين له كلما ازدادوا فيما جاء به معرفة ، ازدادوا له محبة ومعرفة بحقيقة الصلاة المطلوبة له من الله .