في آية من آيات الله تتجلى حقيقة علمية كشفت عنها البحوث الحديثة. فلم يعد خافياً على أحد الدور المهم للجبال في تشكل الغيوم ونزول المطر. حتى إن أعذب المياه وأنقاها نجدها في تلك الجبال الشامخة.
لقد رصد العلماء حركة تيارات الرياح وهي تحمل ذرات بخار الماء من سطح البحر. وهذه التيارات الهوائية تبدأ بالحركة الأفقية حتى تصطدم بالجبال، وهذا يؤدي إلى تغيير مسار الرياح باتجاه الأعلى، لذلك نجد أن قمم الجبال العالية تتجمع الغيوم حولها وتغطيها الثلوج طيلة أيام السنة تقريباً.
إذن كلما كان الجبل أكثر شموخاً وارتفاعاً أدى ذلك لتجمع كمية أكبر من الغيوم ثم نزول المطر أو الثلج، ثم ذوبان هذا الثلج وتسرُّبه عبر طبقات الجبل ومسامه حتى تتفجر الينابيع شديدة العذوبة. ولذلك نجد أن معظم الجبال الشامخة يوجد في قربها أنهار وينابيع ومياه عذبة.
إن مياه الينابيع هذه والتي جاءت من الجبال العالية خضعت لعمليات تصفية متعددة. وكما نعلم من محطات معالجة المياه: كلما مرَّت المياه عبر مراحل تصفية (فلترة) أكثر كلما كان الماء أنقى. وفي حالة الجبال التي ترتفع عدة كيلومترات، تعمل هذه الجبال كأفضل جهاز لتنقية المياه على الإطلاق. ولا يمكن للإنسان مهما بلغ من التقدم العلمي أن يقلِّد هذه العمليات التي تتم عبر الجبال.
وهنا يأتي القرآن الكريم ليتحدث بكل دقة عن علاقة الجبال بالمياه العذبة ويتحدث أيضاً عن تنقية المياه ودور الجبال العالية في ذلك، يقول تعالى: (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاء فُرَاتاً) [المرسلات: 27].
ففي هذه الآية الكريمة ربط المولى جل جلاله بين الرواسي الشامخات وهي الجبال العالية، وبين الماء الفرات وهو شديد العذوبة. وكأن الله تعالى يريد أن يعلمنا من خلال هذه الآية الكريمة أسلوب تنقية المياه، فنحن نعلم اليوم أن العلماء يستخدمون طبقات متنوعة الكثافة والسماكة هذه الطبقات تحتوي على مسامات ذات أقطار ميكرو مترية دقيقة جداً، ويتم تمرير الماء من خلالها فتعلق الرواسب والشوائب والكائنات الدقيقة فيها.
يؤكد العلماء دور الجبال المهم في تنقية الماء الذي نشربه، بل إنهم وجدوا أفضل طريقة لتنقية الماء أن يضعوه تحت الأرض لعدة أشهر، كما كشفوا الدور المهم الجبال في نزول المطر وتشكل السحاب، وكل ذلك أشار إليه القرآن في آيات رائعة تدل على عظمة هذا الكتاب وصدق كل كلمة فيه.
كما أن الماء النازل من السماء والعابر للصخور الموجودة في الجبال يمتزج ببعض المعادن والأملاح الموجودة في تلك الصخور ويكتسب الطعم المستساغ وهذا ما عبر عنه البيان الإلهي بكلمة (فراتاً) أي مستساغ المذاق، ولولا وجود الجبال والصخور وانحلال هذه المواد في الماء لم يكن للماء أي طعم يذكر. حتى إن الجبال تساهم في تنقية الماء مما علق به من فيروسات ومواد ملوثة أثناء نزوله في الجو.
نلاحظ أن المياه العذبة توجد غالباً بالقرب من الجبال العالية وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاء فُرَاتاً).
وهكذا تتم عملية التنقية ببساطة، ولكن هل يمكن للإنسان أن يصنع محطات تنقية المياه وتكون أحجامها مثل الجبال؟ إن هذا الأمر مستحيل تقنياً، ولذلك أراد الله تعالى أن يرينا محطات التنقية الإلهية في الجبال الشامخات، فهل نتذكر ضعفنا أمام عظمة الخالق سبحانه وتعالى؟
وهنا لا بُدَّ من وقفة: من كان يعلم في ذلك الزمان الدور المهم للجبال في إنزال المطر؟ ومن كان يعلم بعلاقة الجبال العالية بالماء العذب الفرات؟ إنه الله تبارك وتعالى الذي يعلم أسرار السماوات والأرض والقائل: (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) [الفرقان: 6].