]size=24]أحببتُ أن أنقل لإخوتي القراء هذا الخبر العلمي الذي يؤكد على أهمية الرضاعة بحليب الأم وترك الحليب البقري، وقد كنتُ نشرت مقالاً سابقاً عن هذا الموضوع، إلا أن العلماء في كل يوم يكتشفون فوائد جديدة لحليب الأم، وتأثيره على الطفل ووقايته من مختلف الأمراض، ولذلك فإن مثل هذه الأبحاث تدعم وتؤيد ما أمر به القرآن قبل أربعة عشر قرناً.
الوقاية من أمراض القلب
وجد العلماء المزيد من الأدلة على أن الرضاعة الطبيعية تحد من احتمالات تعرض الأطفال للإصابة بأمراض القلب في مرحلة متقدمة من العمر. وفحص باحثون من معهد صحة الطفل أكثر من 200 مراهق جرى دراسة نوع رضاعتهم عندما كانوا أطفالاً.
ووجدت الدراسة التي نُشرت في مجلة "لانسيت" العلمية أن أولئك الذين كانت رضاعتهم بشكل طبيعي يتمتعون بمعدلات كوليسترول أفضل كثيراً من الأشخاص الذين اعتمدوا على الألبان الصناعية في الرضاعة. وربط الباحثون أيضاً بين الرضاعة الطبيعية وبين خفض مستويات بروتين يسهم في الإصابة بانسداد الشرايين.
وتعزز هذه النتائج ما خلص إليه بحث سابق قال إن الرضاعة الطبيعية قد تساعد على الوقاية من الإصابة بتصلب الشرايين. لكن معظم الدراسات ترتبط بأخرى سابقة لها. فقد ركزت الدراسة الأخيرة على مجموعة من المراهقين كانوا قد خضعوا بالفعل لدراسة أخرى عندما كانوا أطفالاً مبتسرين. واعتمد في تغذية هؤلاء الأطفال على اختيار عشوائي بين الرضاعة الطبيعية والألبان الصناعية المعدة للأطفال الطبيعيين والألبان الصناعية المعدة للأطفال المبتسرين.
وقد أعاد الباحثون فحص المراهقين عندما تراوحت أعمارهم بين 13 و16 عاما. وأخذ الباحثون عينات دم وفحصوا نسبة الكوليسترول الضار إلى الحميد فيها. وخلص الباحثون إلى أن نسبة الكوليسترول الضار لدى المراهقين الذين اعتمدوا على الرضاعة الطبيعية أقل من أولئك الذين اعتمدوا في تغذيتهم أثناء الطفولة على الألبان الصناعية وهو ما يقلل احتمالات إصابتهم بأمراض القلب.
وفحص الباحثون أيضا تركيزات بروتين سي التفاعلي. ويرتبط وجود تركيزات كبيرة من هذا البروتين بإصابة الشخص بتصلب الشرايين. ووجدت الدراسة أن تركيزات البروتين لدى المراهقين الذين اعتمدوا على لبن الأم أقل من تلك الموجودة لدى نظرائهم الذين اعتمدوا على الألبان الصناعية.
يقول الدكتور أتول سينجال الذي قاد الدراسة في تقريره: تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن الرضاعة الطبيعية لها تأثير كبير ومفيد على صحة القلب على المدى الطويل. ويعتقد الباحثون أن هذا يرجع إلى أن الأطفال الذين يرضعون بشكل طبيعي ينمون بصورة أبطأ من أولئك الذين يرضعون الألبان الصناعية. وقال الباحثون إن النمو السريع في مرحلة مبكرة "يبرمج" الخصائص البيولوجية للطفل مما يجعله عرضة لبعض الحالات الصحية المعينة التي تزيد احتمالات الإصابة بمرض القلب والجلطات ومن بينها السمنة وارتفاع ضغط الدم وارتفاع مستوى الكوليسترول والإصابة بداء السكري.
يقول البروفسور آلان لوكاس مدير مركز أبحاث تغذية الطفل التابع لمجلس الأبحاث الطبية: إن هذا الدليل قوي جداً ويعزز رسالة واضحة مفادها أن نمو الطفل ببطء يحد من احتمالات الإصابة بأمراض القلب والجلطات عند الكبر وإن أفضل وسيلة لتحقيق ذلك هي الرضاعة الطبيعية.
تقول بليندا فيبس الرئيسة التنفيذية للمؤسسة الوطنية للولادة: ندرك أن الأطفال الذين يعتمدون على الرضاعة الطبيعية أقل عرضة للإصابة بزيادة الوزن وتقل فرص إصابتهم بالسكري خلال الطفولة على سبيل المثال لكن هذا البحث يوضح أيضاً أن الرضاعة الطبيعة قد تكون لها أيضا آثار مفيدة جداً على الصحة في مرحلة لاحقة من العمر. في المقابل فإن التغذية بالألبان الصناعية ترتبط بارتفاع معدل الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي وارتفاع ضغط الدم وإصابات الأذن والمسالك البولية والإسهال والالتهابات المعوية.
وتأتي هذه النتائج في الوقت الذي حذرت فيه الشبكة الدولية لتغذية الطفل من أن الجهود لزيادة معدلات الرضاعة الطبيعية تواجه صعوبات بسبب شركات الألبان الصناعية التي تروج لمزاعم "مضللة". ويقول العلماء إن شركات كثيرة تروج لاستخدام الألبان الصناعية بقولها إنها تجعل الطفل أكثر ذكاء أو أنها مماثلة للبن الأم.
الوقاية من السرطان
أظهرت دراسة حديثة أن المرأة إذا قامت بإرضاع طفلها لمدة سنة خلال حياتها كلها فإن ذلك يقلل من مخاطر إصابتها بمرض سرطان الثدي. وقد قامت مؤسسة أبحاث السرطان العالمية بتحليل 7 آلاف دراسة سابقة، وتوصلت إلى أن الرضاعة الطبيعية تقلل الإصابة بسرطان الثدي بنسبة 4.8 في المائة.
وتبلغ نسبة الإصابة بسرطان الثدي عند النساء في بريطانيا 10 % أي أن هناك امرأة تصاب بالمرض من بين كل 10 نساء، وهو ما يعني أن انخفاض نسبة الإصابة به في حالة الرضاعة الطبيعية تبلغ 0.5 في المائة. ويقول الباحثون إنه يتعين على النساء معرفة فوائد الرضاعة الطبيعية.
وكانت دراسات أخرى قد أشارت إلى أن الرضاعة الطبيعية تقلل نسبة الإصابة بالسمنة في الأطفال، كما أنها تنقل إلى الأطفال المناعة ضد بعض الأمراض المعدية منها أمراض الجهاز التنفسي. إلا أن الأبحاث الحديثة أظهرت أن ثلاثة من كل 4 نساء في بريطانيا لا يعرفن أن الرضاعة الطبيعية تقلل من مخاطر الإصابة بسرطان الثدي. وتقول الدراسة إن ثلاثة أرباع النساء يمارسن الرضاعة الطبيعية، إلا أن 22 في المائة منهن فقط هن اللاتي يواصلن الرضاعة الطبيعية بعد 6 أشهر.
وقد وجد أن الرضاعة الطبيعية تقلل من معدل الهرمونات التي تسبب الإصابة بالسرطان في جسم الأم مما يقلل من مخاطر الإصابة به. ووجد أيضا أنه بعد أن تنتهي الرضاعة الطبيعية يتخلص جسم المرأة من الخلايا الموجودة بالثدي التي قد يكون الحامض النووي فيها قد تعرض للضرر.
تقول الدكتورة راشيل ثومبسون: إننا نريد أن نروج لرسالة مؤداها أن الرضاعة الطبيعية شيء إيجابي يمكن أن يقلل من نسبة الإصابة بسرطان الثدي. وبعد أن ظهر دليل على أن الرضاعة الطبيعية تقلل من الإصابة بالسرطان، فإننا نوصي النساء بالرضاعة الطبيعية لمدة 6 أشهر يمكنهن بعدها الاستمرار عن طريق الرضاعة الصناعية.
أبحاث أخرى تؤكد على الرضاعة الطبيعية
هناك عدد كبير من الأبحاث المنشورة على شبكة الإنترنت تؤكد على أهمية الرضاعة الطبيعية وأثرها على صحة الأم والطفل، ويؤكد العلماء أن مدة الرضاعة يجب أن تستمر إلى سنتين كاملتين، لأن هذه الفترة مهمة جداً من حياة الطفل، حيث يكتمل تشكل جهازه المناعي خلالها، وحتى إنني وجدتُ بعض العلماء يطالبون أن تستمر فترة الرضاعة الطبيعية إلى أكثر من سنتين!
وهنا أود أن أذكر إخوتي بالآية العظيمة التي جاء بها نبي الرحمة في قوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) [البقرة: 233]. ولو تأملنا هذه الآية نلاحظ أن الله تعالى يؤكد على أهمية الرضاعة الطبيعية بقوله (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ)، ويؤكد على استمرار المدة لسنتين كاملتين بقوله (حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ).
وحتى عندما يتعذر على الأم إرضاع طفلها لسبب ما أمرنا القرآن أن نبحث عن امرأة أخرى، ولم يأمرنا باللجوء إلى الحليب البقري مثلاً، يقول تعالى: (وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) [الطلاق: 6]. وهذه الآية تؤكد أن الإرضاع يجب أن يكون من امرأة أي رضاعة طبيعية.
ومن هنا نقول إن كل ما جاء به القرآن هو الحق وهو ما يؤكده العلماء بأبحاثهم، ولو تأملنا الكثير من الآيات نرى في كل آية معجزة تشهد على إعجاز هذا القرآن. وهذا يشهد على صدق قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) [البقرة: 176].[/size]