موقف مصعب بن عمير مع أخيه أبي عزيز
موقف مصعب بن عمير –رضي الله عنه- مع أخيه أبي عزيز من المواقف المشهور في كتب السيرة النبوية في غزوة بدر، وذلك بعد أن وقع أخوه في الأسر، فهل ثبت هذا الخبر من طرق صحيحة ؟
قال ابن إسحاق-رحمه الله-: "وحدثني نُبيه بن وهب، أخو بني عبد الدار أن رسول اللُّه -صلى الله عليه وسلم- حين أقبل بالأسارى فرّقهم بين أصحابه، وقال: استوصوا بالأسارى خيرًا. قال: وكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمّه في الأسارى.
قال: فقال أبو عزيز بن عمير: مرّ بي أخي مصعب بن عمير ورجل من الأنصار يأسرني، فقال: شدّ يدك به، فإنّ أمّه ذات متاع، لعلها تفديه منك .. قال ابن هشام: وكان أبو عزيز صاحب لواء المشركين بعد النضْر بن الحارث، فلما قال أخوه مصعب بن عمير لأبي اليَسَر -وهو الذي أسره - ما قال، قال له أبو عزيز: يا أخي هذه وصاتك بي؟ فقال له مصعب: إنه أخي دونك ... (1)".
وابن إسحاق قد صرّح بالتحديث، وشيخه نُبيه (بالتصغير) ثقة، لكن الخبر مرسل.
فائدة
مما يتعلق بمصعب بن عمير -رضي الله عنه- ما ذكره الحافظ ابن حجر في (الإصابة) (3/ 401) في ترجمته حيث قال: "وأخرج الترمذي بسند فيه ضعف عن علي -رضي الله عنه- قال: رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصعب بن عمير فبكى للذي كان فيه من النعمة ولما صار إليه". وذكره في الفتح (11/ 279) وسكت عنه.
والحديث أخرجه الترمذي من طريق ابن إسحاق قال: حدثني يزيد بن زياد عن محمَّد بن كعب القُرَظي قال: حدثني من سمع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يقول: "إنَّا لجلوس مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد إذ طلع مصعب بن عمير ما عليه إلا بردة له مرقوعة بفرو، فلما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكى للذي كان فيه من النعمة والذي هو فيه اليوم ...". ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب (2) ا. هـ.
ويظهر أن الضعف الذي أشار إليه ابن حجر هو جهالة الواسطة بين محمد بن كعب وعلي -رضي الله عنه.
وروى ابن إسحاق قال: حدثني صالح بن كيسان عن بعض آل سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: "كنّا قومًا يصيبنا صَلَف العيش بمكة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشدته، فلما أصابنا البلاء اعترفنا لذلك وصبرنا له، وكان مصعب بن عمير أنعم غلام بمكة وأجوده حلة مع أبويه، ثم لقد رأيته جهد في الإِسلام جهدًا شديدًا، حتى لقد رأيت جلده يتخشّف تخشّف جلد الحية عنها، حتى إن كنا لنعرضه على قسيّنا فنحمله ممّا به من الجهد، وما يقصر عن شيء بلغناه، ثم أكرمه الله عَزَّ وَجَلَ بالشهادة يوم أحد (3)".
وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "نظر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مصعب بن عمير مقبلًا عليه إهاب كبش قد تنطّق به، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- انظروا إلى هذا الرجل الذي نوّر الله قلبه، لقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطعام والشراب، فدعاه حبّ الله ورسوله إلى ما ترون". قال الحافظ العراقي-رحمه الله: "رواه أبو نُعيم في (الحلية) بإسناد حسن (4)".
ثم طُبع المجلد الحادي عشر من (الضعيفة) وقد ذكره الشيخ الألباني-رحمه الله- فيه (5).
(1) الروض الأنف (5/ 155) وقال السهيلي: أما أبو عزيز فاسمه زرارة (5/ 187).
(2) تحفة الأحوذي (7/ 176).
(3) سيرة ابن إسحاق، تحقيق محمَّد حميد الله، ص 173.
(4) تخرج أحاديث إحياء علوم الدين (5/ 2346) وانظر مستدرك الحاكم (3/ 728).
(5) رقم (5195)