رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال
رحمته بالأطفال عليه الصلاة والسلام: مات ابنه إبراهيم وهو في سن الطفولة، وعمره سنتان وأشهر، وقيل أقل، فأخذه عليه الصلاة والسلام وقد أصبح جنازة بين يديه ودموعه تهراق -بأبي هو وأمي- وقال: {تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون} ذكر ابن تيمية هذا المقطع وله كلام جميل حول هذا الحديث.
فقد سُئل ابن تيمية عن: الفضيل بن عياض أن ابنه مات فضحك، والرسول عليه الصلاة والسلام مات ابنه فبكى، فمن الأكمل: هل هو الضحك وقت موت الطفل أو البكاء؟
قال ابن تيمية: الحمد لله -ثم أتى بجواب ما سمع الناس بمثله- قال: الفضيل بن عياض ما اتسع قلبه لوارد الرضا من قدر الله ولوارد الرحمة على موت ابنه فما استطاع إلا بالصبر والرضا فضحك، والرسول عليه الصلاة والسلام رضي وصبر ورحم فبكى رحمة، ودمعت عيناه وحزن قلبه رحمة، ورضي وسلم، وهذا جواب سديد.
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا
إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا
وفي الصحيح {أن ابنته زينب رضي الله عنها أرسلت إليه أن يأتي إليها، فإن ابنها في سكرات الموت، والرسول عليه الصلاة والسلام مشغول بوفود العرب، قال: أبلغوها مني السلام، وقولوا لها: إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء بأجل مسمى، فمروها فلتصبر ولتحتسب، فأخبروها، قالت: والله ليأتين -يعني ابنته تتقول عليه والبنت لها شفاعة عند الوالد- فقام عليه الصلاة والسلام، وقام معه جل الصحابة، فقدم له الطفل ونفسه تقعقع كأنها في شن، فأخذت دموعه تهراق عليه الصلاة والسلام، فيقول ابن عوف أو غيره: ما هذا يا رسول الله؟! قال: هذه رحمة يضعها الله في قلب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء}.
وفي البخاري ومسلم أن الأقرع بن حابس، وهو صنديد من صناديد بني تميم، لا يعرف تقبيل الأطفال، بل يعرف السيف والناقة والحرب والقتال، فقال للنبي حين قبل ولده الحسن تقبلون الأطفال عندكم؟ قال: نعم، قال: والله إن عندي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم! - كان يظن أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول شكراً لك- قال: أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك، أي: ما دام أن الله نزع الرحمة من قلبك فماذا أملك أنا.
تقبيل الأطفال رحمة، وكان يفعله صلى الله عليه وسلم كثيراً، وهذا من قربه صلى الله عليه وسلم من القلوب، وصح عنه عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري أنه قال: {إني لأدخل في صلاتي فأتجوز فيها مما أسمع من بكاء الطفل خشية أن أشق على أمه} يدخل في الصلاة فيريد إطالة الصلاة فيسمع في الصفوف الأخيرة بكاء الطفل، وأمه تحترق عليه أسفاً ورحمة فيتجوز بالصلاة رحمة بالطفل وبأمه، عليه الصلاة والسلام.
وعند الترمذي وابن حبان، أنه صلى الله عليه وسلم رفع الحسن والحسين قال: {هذان ريحانتاي من الدنيا، اللهم أحب من يحبهما} فاللهم إنا نحب الحسن والحسين بحب محمد عليه الصلاة والسلام، يقول ابن تيمية في مقتل الحسين، قال: ومقتله من أعظم المصائب على المسلمين، وعلى المسلم إذا تذكر تلك المصيبة أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، لا يعرف حب الحسين إلا نحن، نحبه في الله، لأنه من عباد الله ومن أوليائه، ولقرابته بالرسول عليه الصلاة والسلام، يوم قتلوا الحسين، بعض قتلة الحسين يقولون: الله أكبر.. الله أكبر.. قتلنا الحسين، فيقول أحد الأولياء:
جاءوا برأسك يا بن بنت محمد متزملاً بدمائه تزميلا
ويكبرون بأن قتلت وإنما قتلوا بك التكبير والتهليلا
يكبرون والتكبير خرج من صدرك، يكبرون والتكبير أتى من لسانك، يكبرون على أعظم المصائب، وهذا استطراد.
وفي الصحيحين من حديث أبي قتادة، قال: {صلى بنا صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي -قيل العصر وقيل الظهر، والواضح أنها الظهر- فحمل أمامة بنت زينب على كتفه عليه الصلاة والسلام -تصور المشهد: إمام البشرية يحمل طفلة ويصلي بالناس صلاة الفريضة بالمسجد، أي رحمة، وأي عطف، وأي سهولة- قال: فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها } كانت أمها مشغولة، وكانت الطفلة تبكي، وأقيم للصلاة فأخذها عليه الصلاة والسلام رحمة، وصلى بها فسكتت معه عليه الصلاة والسلام يقولون: إن الشوكاني صلى بالناس في صنعاء، فلما سجد سقطت عمامته، فقام فأخذ العمامة وردها، فأنكر عليه الناس، وقالوا: تحمل العمامة وأنت في الصلاة، قال: حمل العمامة أخف من حمل أمامة، فللإنسان أن يفعل ذلك، لأن الشافعي يقول: ضيعت السنة بالأفعال الخاصة، كلما أتينا بحديث قالوا: خاص به صلى الله عليه وسلم، كلما أتى أثر قالوا: خاص، حتى ذهبت الشريعة ما بقي إلا نتف منها للأمة، وأما البقية فله عليه الصلاة والسلام.