ندما نذهب في رحلة إلى أغوار الكون فإننا نجد الظلام يلف أرجاءه ونجد أن الليل هو الأساس الذي يشغل النسبة العظمى من هذا الكون. والذي يجلس في مركبته الفضائية خارج الأرض ويراقب هذه الكرة الرائعة (الكرة الأرضية) يجد الظلام من حولها والليل يغشاها من كل جانب ما عدا طبقة رقيقة هي طبقة النهار!
وعندما نلتقط صوراً للكرة الأرضية وهي تدور حول نفسها ونُسرع هذه الصور فإننا نرى بوضوح التلاحق والتعاقب المتتالي للظلام والضوء. وكأن الظلام يلحق بهذه الطبقة الرقيقة من الضوء دون أن يسبقها! إن فيلماً كهذا عن حركة الأرض وتداخل النهار في الليل وتداخل الليل في النهار، يتطلب جهوداً وأموالاً ومراكب فضائية وأجهزة...... ومئات من الباحثين.....
من عظمة القرآن أنه يصور لنا هذا الفيلم بدقة تامة وبكلمات قليلة!! وتفكر معي في هذا المشهد القرآني عن الليل والنهار وكيف أن الليل هو الذي يغشى النهار ويلحقه باستمرار حثيثاً: (يغشى الليل النهار يطلبه حثيثاً) [الأعراف:54].
ثم نجد في آية أخرى تصويراً رائعاً لسباق الليل والنهار: (ولا الليل سابقُ النهار) [يس: 40].
أما عن تداخل الليل في النهار والعكس فيخبرنا البيان الإلهي عن هذه العملية بقوله تعالى: (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) [الحديد: 6].
ولو تعمقنا أكثر في آيات الرحمن نجد أن الله تعالى قد حدثنا عن أن الليل فوق النهار! فطبقة النهار المضيئة هي طبقة رقيقة على وجه الأرض ولكن يحيط بها الظلام من فوقها بشكل مُحكم. لذلك يقول تعالى عن هذا المشهد: (يكوِّر الليل على النهار ويكور النهار على الليل) [الزمر: 5].
إذن هنالك تكوير ودوران دائم لليل على النهار والعكس بالعكس. ومعنى التكوير الالتفاف والإحاطة ولاحظ معي أن جميع هذه الآيات تبدأ بالليل ثم النهار للدلالة على أن الظلمة هي الأساس في الكون! فعندما يتحدث سبحانه وتعالى عن الخلق يبدأ بالليل فيقول: (وهو الذي خلق الليل والنهار) [الأنبياء: 31]. وعندما يتحدث سبحانه وتعالى عن تقلب الليل والنهار أيضاً يبدأ بالليل: (يقلب الله الليل والنهار) [النور: 44]. حتى صورة الاختلاف بين الليل والنهار أيضاً يبدؤها الله بالليل فيقول: (واختلاف الليل والنهار) [آل عمران: 19].
حتى إنه في القرآن سورة اسمها سورة الليل، رقم هذه السورة في المصحف هو (92)، والعجيب أن كلمة (الليل) ومشتقاتها في القرآن تكررت بالضبط (92) مرة بنفس رقم سورة الليل. فتأمل هذا التوافق: هل جاء بالصدفة؟ أم أن الله تعالى أراد لكتابه الكريم أن يكون محكماً كيفما نظرنا إليه، لغوياً أو علمياً أو عددياً!! يقول تعالى (كتاب أُحكمت آياته ثم فصّلت من لدن حكيم خبير).