عندما صعد الإنسان إلى القمر في أواخر الستينات من القرن العشرين دشَّن عهداً جديداً لرؤيته حول هذا الكون. فقد تمكن من رؤية الأرض من الخارج وقد حصل هذا كما نعلم منذ مدة لا تزيد على (35) سنة.
من الأشياء المثيرة التي رآها العلماء في هذه الرحلة الظلام الشديد الذي يغشى الكون ! وبدت الأرض كرة زرقاء جميلة على أحد جانبيها النهار وهو الوجه المقابل للشمس وعلى الوجه الآخر الليل.
إن الذي يراقب الكرة الأرضية من الخارج ويرى سرعة دورانها وكيف يتداخل الليل والنهار يجد بأن أفضل وصف لهذا المشهد هو قول الله تعالى (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [الحديد: 6]. ويقول أيضاً: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ) [فاطر: 13].
ثم عندما نبتعد عن هذا الكوكب ونسبح في ظلام الكون وننظر إلى منظر الأرض نرى أن النهار لا يشكل سوى طبقة رقيقة جداً مقارنة مع حجم الأرض.
هذه الطبقة يغشاها الليل من كل جانب وكأنه يلاحقها باستمرار لدى حركة دورانها. وهنا يتجلى في وصف هذه الصورة قول الحق تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 54].
ويقول أيضاً: (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الرعد: 3].
إذن الظلام وهو الليل يغشى الكون ويغشى طبقة النهار بل يلاحقها باستمرار ويطلبها بشكل حثيث لا يتوقف حتى إننا نرى هذه الطبقة الرقيقة من النهار وكأنها تنسلخ!
وهنا تتجلى إحدى عجائب القرآن عندما شبه الله تعالى انسلاخ النهار عن الليل فقال: (وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ) [يس: 37].
إذن طبقة النهار رقيقة جداً تتحرك نتيجة دوران الأرض حول نفسها، ويلاحقها الليل حثيثاً فهو أيضاً يتحرك ويسبح في الفضاء. ومن عجائب القرآن أنه تحدث عن حركة الليل والنهار هذه وأنها تتم بنظام محدد. يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [الأنبياء: 33].
وسبحان الله! أي كتاب في العالم يحوي كل هذه الحقائق؟ فقبل 1400 سنة: من كان يتصور بأن النهار هو طبقة رقيقة جداً تنسلخ كالجلد الذي ينسلخ عن الدابة؟
ومن كان يتصور أن الليل والنهار يتحركان بنظام محدد ومحسوب؟ ومن كان يتخيل أن الظلام يغشى الكون ويغشى النهار؟
ولو ذهبنا إلى جميع الآيات حيث ذكر الليل والنهار والشمس والقمر نجد الحقائق العلمية فيها متوافقة مع أحدث مكتشفات القرن الواحد والعشرين. فلا خلاف اليوم على حقيقة علمية وهي أن كل شيء في الكون من أصغر ذرة وحتى أكبر مجرة إنما يدور ويتحرك بنظام محسوب وفلك محدد.